دمشق: هشام عدرة لم يكن يخطر ببال السورية ريم صلاح الدين الجرف يوماً ما أن تكتب عملاً روائياً حمل عنوان: «يوماً ما». فريم الموظفة منذ سنوات خمس في بنك سوري فاجأتها الأحداث والحرب والأزمة السورية المتواصلة منذ ثلاث سنوات ونصف. وكانت المفاجأة الأكبر لها أنها تستفيق كل يوم لتسأل عن جار لها أو صديقة أو ابن ضيعتها ليأتيها الجواب: لقد هاجر وركب عباب البحر، متجها بمغامرة لا يعرف مصيرها ونتائجها نحو السويد. ريم القاطنة في مدينة جرمانا إحدى ضواحي العاصمة دمشق التي استقبلت عشرات آلاف الأسر العراقية التي نزحت بعد عام 2003 بسبب الحرب والأحداث الدامية هناك، كان لها كثير من الأصدقاء والجيران العراقيين الذين تسمعهم أنهم قدموا طلبات هجرة للسويد أو للولايات المتحدة الأميركية، ولم يخطر بذهنها يوما ما أن يحصل للسوريين ما يحصل لأشقائهم العراقيين، بل والأسوأ أن من يهاجر اليوم من السوريين هجرة غير شرعية حيث قد تبتلعه أمواج البحر أو قراصنة البر قبل أن يصل للسويد وبلدان أوروبا. هذه الحالة الإنسانية المؤلمة التي تعيشها ريم حولتها لكاتبة روائية فأصدرت روايتها الأولى تحت عنوان «يوما ما» قبل شهرين عن دار «أفكار للدراسات والنشر» في بيروت، وجاء الكتاب في 150 صفحة. تقول ريم عن روايتها: «إنها سيرة أناس عشت معهم.. باحوا لي بما أدمى قلوبهم.. ما كسر أعماقهم من مآس تراكمت في حنايا وجدانهم، سيرة لأناس هربوا إلى المجهول في أقاصي بعيدة غريبة، حيث لا الهواء هواؤهم.. لا الأرض لهم.. لا يشبههم أحد، لا يتعرف إليهم أحد.. هناك يرمون بآهاتهم في بحار باردة ينثرونها مع النسمات الصقيعية الجامدة.. يبدأون من جديد بصفحة بيضاء يكتبونها بقلم الأمل بحبر التفاؤل». بطل الرواية (أمين) هو الشخصية المحورية التي خاضت تجربة الهجرة غير الشرعية هرباً من الحرب التي تدور في الوطن، وقد بدأ البطل رحلته بعد أن خرج من دمشق متجها نحو بيروت، متنقلا بين أماكن عدة أوروبية وعربية، وصولا إلى هدفه الأخير من الرحلة وهو اللجوء في السويد. خلال رحلة البطل وتنقلاته يصطدم بالأماكن التي تطؤها قدمه مؤقتا، ولم تكن تلك الأماكن أقل جحيما من وطنه، هي أماكن ضاغطة مغلقة محدودة، حيث يهان فيها المهاجر السوري متعرضا للضرب والاحتجاز بالقوة، ويستغل ماديا بأخذ أمواله منه، من أجل ركوب قوارب الموت في بحر لا يرحم. هي رحلة شاقة عرت الذات البشرية والإنسانية من خلال الاصطدام بالفضاءات الأخرى في رحلة سفره، لكنه على الرغم من وصوله إلى هدفه بسلام إلا أن هاجس الحنين لازمه وبقي سجين وطنه يحلم بالعودة. العلاقات التي نسجها بطل الرواية مع المحيط قبل وبعد مغامرته في الرحلة نحو المجهول علاقات محكومة الصراع والفقدان أيضا، فداخل الوطن خسر البطل جميع علاقاته الاجتماعية، إذ ماتت حبيبته بتفجير، وفقد أخاه الأصغر واغتيل خطيب أخته، وتفككت علاقات الصداقة التي كانت تربطه بأصدقائه وانقلبت إلى عداء بسبب تطرف آرائهم الآيديولوجية. فطغت الكراهية على علاقة الجماعة ببعضها. وأثناء رحلته مع المجهول تمخضت علاقات جديدة تجمعها معاناة الرحلة وما فيها من قسوة وآلام بأناس شكّل البطل معهم علاقات حميمة، ومن أسمى تلك العلاقات كانت علاقة الحب التي جمعته بريتا وهي فتاة من غير طائفته، ليصبح بعدها البطل بالنسبة لوالد ريتا بمثابة ابنه الذي اغتيل في الوطن. رواية ريم صلاح الدين هي مزيج بين التقليد، بأسلوبها الروائي الوصفي الذي طغى على أجزاء كبيرة من فصول الرواية، والحداثة من خلال إقحام الحوار الذي يعكس المنولوج الداخلي للشخصيات ملوَّناً بمفردات عامية تكسب اللغة لوناً جديداً، إضافة إلى الصور المشحونة بالعاطفة والخيال، والتجديد في رسم صورة الشخصيات وعلاقتها بالفضاء المكاني فبدت الشخصيات معلقة بذكريات الوطن وصورته الجميلة مقارنة بالأماكن الأوروبية التي بدت جامدة، كما تخللت الرواية بعض الأغاني وهي ذات مدلول وجداني له وقع مؤثر في نفس القارئ وهذا ما هدفت إليه في روايتها. تقول المؤلفة: تجربتي الأولى في الكتابة قد تكون رواية... قصة أو حكاية كان علي أن أبدأها بـ(كان يا ما كان). إلا أن السؤال الذي لطالما أرقني وحيرني هو: هل كنت بحاجة لكل هذا الألم حتى أبدأ بالكتابة؟».