استبشرنا خيرا وسعدنا بمقـدم الجامعات الجديدة في مناطق ومدن مختلفة من بلادنا، لتكون هذه الخطوة خير داعم لتطوير المسار التعليمي الجامعي الذي ظل محدودا على مدى عقود في المناطق الرئيسية، وتصبح هذه الانطلاقة - خلال أعوام قصيرة - حقيقة تعليمية متميزة، ومشهدا رائعاً من مشاهد التحصيل العلمي الجامعي في مختلف المدن والمناطق. فمن أبرز وأجمل ما قطفناه ـ وطنا ومجتمعا وأسراـ من ثمار هذه الجامعات أنه لم يعد هناك اغتراب للطلاب والطالبات، ولم يعد هناك حاجة لنزوحهم، أو سفرهم بين المدن، إنما يجد الطالب في مدينته كل ما يريده من تخصصات وكليات، فباتت أكثر هذه الجامعات بحمد الله تُخَرِّجُ الأطباء، والمهندسين بعد سني التعب واللهاث من مدينة إلى أخرى، سعيا للحصول على تخصص مميز لا سيما للطلاب والطالبات المتميزين. فقد نشأت مع قيام هذه الجامعات في بلادنا الكثير من الفرص التعليمية، والوظائف والتحصيل الجامعي العالي، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى الكوادر والطاقات والتخصصات في مجال التعليم الجامعي على نحو أعضاء هيئة التدريس والمدربين والمتخصصين والإداريين كل في مجاله، وهذا ما تشير إليه الكثير من الرؤى والمطالبات من العاملين في هذه الحقول، مما يؤكد أهمية السعي إلى تخريج الطلاب والطالبات وإعطائهم الفرصة المناسبة للعمل كمحاضرين، وأساتذة تعتمد عليهم هذه الجامعات في بناء مشروع تعليمي متميز. فما يلاحظ هذه الأيام أنه يغلب على فئة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لدينا أنها مزيج من عناصر عربية وأجنبية، ليغلب عليها ندرة المحاضر أو الأستاذ السعودي وبنسبة عالية جدا، وذلك بناء على دراسة نشرت ملخصاتها في «الجزيرة» هنا قبل أسابيع، أي أن الجامعات لا تزال بحاجة إلى الكفاءات والقدرات الوطنية لشغل هذه الوظائف. فما يلاحظ على هذه الجامعات وما لديها من خريجين أنها لا تتواصل بما يكفي من أنظمة التوظيف ممثلة بوزارة الخدمة المدنية، أي أن الكثير ممن أنهوا دراساتهم العليا كالماجستير والدكتوراه في بعض الجامعات لا يزالون ينتظرون تعيينهم بوظائف في حقل التعليم الجامعي، مما يضطرهم للتعاقد بموجب شهاداتهم الجامعية ـ البكالوريوس ـ وهذا أمر لا يمكن أن يركن عليه، وحينما نستمع إلى وجهة نظر هذه الجامعات تدرك أن نظام الخدمة المدنية ربما لم يواكب بَعْدُ هذا التطور التعليمي، ولم يضخ حتى الآن وظائف تخدم هؤلاء الخريجين في تخصصات كثيرة، مما تسبب في ندرة المحاضرين وأعضاء هيئة التدريس، وإن وجدوا فإن جلهم بعقود مؤقتة! وإن تجاوزنا مسألة الجامعات الجديدة في كل من حائل وأبها والباحة وتبوك والجوف ونجران وجازان والحدود الشمالية، فإن الأمر لا يزال قائما في الكثير من الجامعات التي تسبقها في التاريخ والتجربة، على نحو جامعات العاصمة الرياض وجدة ومكة والمدينة والمنطقة الشرقية، فمنظومة أعضاء هيئة التدريس لم تتسع بعد للطاقات الشابة، حتى أن هناك من هم معمرون في هذه الوظائف ويشغلونها بالتكليف وهذا ما يقف حائلا بين الجيل الجديد من المحاضرين وبين فرصهم التعليمية والوظيفية التي هم أحق بها. فالدراسة العلمية الأخيرة حول «ندرة أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين» في الجامعات السعودية تؤكد على أنهم ومنذ أن تخرجوا في جامعاتهم وأنهوا تحصيلهم العلمي وشهاداتهم العليا لم يمكنوا من أعمالهم، لعدم وجود وظائف شاغرة تتناسب مع تخصصاتهم.. فلا يعقل أن تكون نسبة أساتذة الجامعات والمحاضرين والمعيدين لا تتجاوز خمس وعشرين بالمائة، وحينما يعاد الأمر والأسباب في ذلك نجد أن هناك من يشير إلى أنظمة الخدمة المدنية التي لم تجاري مطالب هذا المشروع التعليمي الحيوي في بلادنا.