أسوأ أنواع الحروب التي تشن ضد الإسلام، هي هذه الحروب التي يشنها أبناء الإسلام ومن يدعون الانتساب إليه، وباسمه يرتكبون أبشع الجرائم، وأقبح الأفعال بدافع سوء الفهم لتعاليم الدين الحنيف، أو بدافع حب السيطرة والوصول إلى سلطة غاشمة لا تلبث أن تزول، أو بدافع التطرف والغلو، أو بدافع خدمة أعداء الإسلام الذين يهمهم إضعاف أهله وتأخرهم عن ركب الازدهار التنموي الذي ينشده المسلمون لأوطانهم، ومهما كان السبب للحرب الخفية أو المعلنة ضد الإسلام، فهي في البداية والنهاية تندرج تحت عنوان الإرهاب الذي يأكل الأخضر واليابس، ويخرج الإنسان ليس عن ديانته فقط، بل وعن إنسانيته. والحرب ضد الإسلام تأخذ عدة وجوه، ليس أولها السلاح الحربي بالدبابات والصواريخ والرشاشات، ولن يكون آخرها إشغال المسلمين بالفتن والخلافات الطائفية والمذهبية، واستغلال وسائل التقنية الحديثة كالفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنابر الخطابة، للشحن الطائفي والمذهبي والقبلي، وتنمو هذه الظواهر السلبية في ظل غياب المنهج التعليمي السليم، والأسلوب التربوي المستقيم، والقدوة الحسنة الأصيلة، والأنظمة الصارمة التي تدين تطييف المجتمع وزرع العداوات والأحقاد بين أبنائه، وقصور السعي الجاد لتوفير العوامل التي تساعد على تنشئة أجيال قادرة على التصدي لكل ما يسيء للإسلام والمسلمين، وما يشغلهم عن البناء والعمل على وحدة المسلمين وتكاتفهم وتآزرهم في وجه الأخطار الخارجية التي تهدد أمنهم واستقرارهم، وتعرقل مسيرتهم التنموية من أجل بناء حاضرهم ومستقبلهم، ومن أجل توفير مقومات القوة لهم، والتي تساعدهم على المشاركة في حضارة العصر، بدل ما هم عليه من الاعتماد الشامل والدائم على ما ينتجه الآخرون في جميع مناحي الحياة. ما تشهده الساحة الإسلامية من أحداث يدل على حقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي أن العابثين باستقرار الوطن، والمتاجرين بقضاياه، والساعين لتشويه صورة الإسلام، لا يمكن التعامل معهم بأي أسلوب من أساليب التفاهم والإقناع، فقد يظهرون السمع والطاعة إذا وقعوا في قبضة النظام، لكنهم يبطنون الشر الذي يسفر عن وجهه القبيح عندما تسنح لهم أول فرصة للخروج على أي مظهر من مظاهر ذلك الخضوع للنظام، خاصة مع غياب تجريم أي مظهر من مظاهر الطائفية، ووضع العقاب الصارم لكل من يتبنى عملا أو قولا يندرج تحت عنوان هذه الطائفية التي تقود دائما إلى الاعتداء على حرية الإنسان ومذهبه الديني، ومعتقده الفكري، وتعرضه لخطر التصفية الجسدية، وهو آمن ومستقر في بلده وبين أهله وذويه، ومن يدفع الثمن في هذه الحالة غير الدين والوطن والمجتمع؟! الحروب المعلنة التي يرتكبها أعداء الإسلام ضد الإسلام، تجابه بحروب أخرى، لأن العدو فيها واضح ومعروف، لكن الحروب التي يرتكبها أبناء الإسلام أنفسهم هي الأشد قساوة وألما وبشاعة وخطرا؛ لأنها تفرخ وتنمو وتأتي ثمارها الخبيثة في الوسط الإسلامي نفسه، لتسري في جسد الأمة سريان السرطان في جسد الإنسان، من خلال استقطاب من حولها من شباب الأمة، وشحن نفوسهم وعقولهم بالمعتقدات والأفكار التي تقودهم للتضحية بأنفسهم في جرائم ترتكب ضد الآمنين، وضد منجزات الوطن التنموية، وضد ما يمكن تحقيقه من بناء تنموي واستقرار أمني وازدهار اقتصادي في ربوع الوطن، وتلاحم وانسجام وتآلف بين أبنائه، وبذلك ترتبك المسيرة الوطنية نحو المستقبل الأفضل الذي يسعى لتحقيقه المخلصون والشرفاء، كما تشوه صورة الإسلام في نظر العالم، وكأنما هذه الفئات الضالة تقدم لأعداء الإسلام خدمات مجانية لا يحلمون بتحقيقها بجهودهم المباشرة، وفي هذا منتهى الظلم للإسلام والمسلمين. باسم الإسلام يرتكبون جرائمهم، وباسم الإسلام ينحرون البشر ويقطعون أوصالهم كالخراف، ويرمون جثثهم على قارعة الطريق، وباسم الإسلام يسبون النساء ويبيعونهن في سوق النخاسة، وباسم الإسلام يبيدون أبناء جلدتهم من المسلمين، وإخوانهم في الإنسانية من غير المسلمين، وهذا هو إسلامهم الذي لا يعرفه أحد سواهم.