محمد العصيمي أمس، قلت إن من المهم جدا، وعلى الفور، أن نبني مصدات وطنية حقيقية تتكسر عليها تربصات ومخططات الإرهابيين الذين لن يتوقفوا عن نواياهم الخبيثة في زعزعة أمننا واستقرارانا وتفتيت لحمة مجتمعنا، التي أثبتت صلابتها على أرض الأحساء. ويكون بموازاة هذه المصدات المانعة للإرهاب وضع ركائز نبني عليها واقعا جديدا، فكريا وثقافيا، يكون هو المصد الأكبر والأوسع والمستدام لصناعة حياة سعودية جديدة تحفل أول ما تحفل بالتنمية والبناء والتطور المجتمعي والمدني، المبني على أسس قوية من بيوت التعليم وقيم العمل. المصد الأول الذي يجب أن نبدأ به فورا، باعتبارنا مواطنين وبغض النظر عن انتماءاتنا، هو الحوار دون أي تحفظ أو مواربة أو مجاملة. أي أن يكون حوارا صريحا ومضبوطا فقط بالانتماء الوطني الصرف، الذي يجب أن يغلب على كل انتماء أو عاطفة من أي تيار، إذ أن مائدة حوار من هذا النوع إذا شابتها حالة نفي ظاهرة أو باطنة، فسوف تنسف الحوار ذاته من أساسه، ولن يكون له نتائج سوى البيانات الإعلامية التي تتبخر بمجرد نشرها كما حدث خلال السنوات الماضية. هذا الحوار، المبني على هذه الأسس، سيمهد حتما الطريق لبناء حالة وطنية تعيد صياغة علاقتنا ببعضنا على قاعدتين، الأولى انتماؤنا المشترك للوطن الواحد دون تفرقة أو تمايز، والقاعدة الثانية أن كل مواطن سيتحمل مسؤولية أفعاله أو تصرفاته انطلاقا من هذا الانتماء فقط. وبالتالي تجوز محاسبته إذا ما خرج عن هذا الخط أو غرد خارج السرب الوطني المتفق، كنتيجة للحوار، على منطلقاته وأفكاره من الجميع دون استثناء. أما المصد الوطني الثاني المانع للفعل الإرهابي، فهو ــ تكرارا ــ منظومة التعليم بمناهجها وأفكارها والقيمين عليها، قيادات ومعلمين ومعلمات. والحوار الحقيقي والشامل، باعتباره المصد الرئيسي الأول، سيقدم لمنظومة التعليم، العام والعالي، ما يراه أنسب وأفضل لغرس أفكار الانتماء للدولة الوطنية، التي يسود فيها عقد اجتماعي واضح لا يقبل التأويلات ولا (احتمالات الأوجه) التي قد يوظفها أحد الأطراف ليحقق مكاسب فئوية على حساب الآخرين المنضوين تحت المبدأ العام للمواطنة. ومن البديهي ألا تنتظر منظومة التعليم حتى تأتيها توصيات مثل هذا الحوار ــ إن حدث، فبيد مسؤوليها أن يبدأوا على الفور في نزع كل ما يدل على التشدد أو التطرف أو كره الآخر ونفيه ــ إن وجد ــ من المناهج التعليمية، وأن تعاد (صياغة) بعض المعلمين على أساس أن منطلقهم أولا وأخيرا هو الوسطية التي تسعى إلى البحث عن نقاط التقاء لا نقاط تفرق وتناحر تؤذي الوطن والمواطنين وتهدم ما بني إلى الآن، وهو قليل، من قواعد وأسباب التعايش وتبادل المنافع الوطنية فيما بينهم. وأخيرا، فإن الإعلام، باعتباره المصد الرئيسي الثالث للإرهاب، يتحمل مسؤولية عظيمة في إعادة قراءة أدائه فيما مضى، وبناء استراتيجات جديدة تخاطب الناس على أساس ممارسة الفعل الوطني المنتج بالدرجة الأولى. المنتج من حيث المشاركة في التنمية الاقتصادية والثقافية والمجتمعية. وهذا يعني أن الإعلام لا بد أن يضع أهدافا وطنية كبيرة أمام المتلقي (المواطن) الذي سيشعر في مثل هذه الحالة بقيمته وبأنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن تطور بلده وتنميته وسلامة مجتمعه، المتضامن بشكل عام خلف الأهداف البناءة الكبرى. ومن المهم لإعلامنا، أن يعترف أولا بارتكابه لبعض الأخطاء لينتقل إلى المرحلة الجديدة التي لا مفر من أن يتحمل جزءا كبيرا من أعبائها.