طبقًا لما يجري على الأرض فإن عملية إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، تجري على قدم وساق، وحتى الآن فإن قدرة الجهاز المناعي العربي على التصدي لفيروس التغيير القادم إلى منطقتنا عبر الأطلسي، تبدو أقل بكثير من مستوى التهديدات التي يواجهها النظام الإقليمي العربي، أما عناصر الفعل على الأرض فقد تداخلت فيها قوى إقليمية تتطلع إلى امتلاك أدوات التأثير، مع جماعات عنف ومنظمات إرهاب، سعى بعضها تحت ستار الدين، إلى الاضطلاع بدور "المحلل" أو "الديوث" أو حتى "القواد" الذي يسلم الفريسة لطلاب المتعة لقاء بعض المال. طائرات التحالف في سماء العراق وسوريا، لا تقصف داعش، وإنما ترسم خارطة جديدة للإقليم، بمناطق سنية، وأخرى شيعية، وثالثة كردية، هذا عدا ما يخبئه قادة التحالف من خرائط اخرى بانتظار الترسيم، لمناطق درزية وأخرى علوية وثالثة أيزيدية، وهكذا... أما الأدوار الجديدة فيجري التفاوض بشأنها تحت عناوين مضللة، منها ، مثلًا، الملف النووي الإيراني، الذي أخفقت المفاوضات الأخيرة في مسقط بشأنه، رغم اتصالات جرت بين الرئيس الأمريكي أوباما وبين "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية" علي خامنئي، قال أمريكيون عنها، إنها استهدفت التواصل بين الرئيس الأمريكي وبين "صاحب القرار الحقيقي في طهران، حيث تعتبر واشنطن أن الرئيس الإيراني روحاني ليس سوى وجه باسم لطهران، لا يستطيع بذاته أن يحزم أمرًا أو أن يتخذ قرارًا. إيران تريد "الدور" و"القنبلة"، وواشنطن لا تمانع في مقايضة الدور بالقنبلة، فتعترف "ضمنًا" بدور إيراني في سوريا، ساهم في استمرار بقاء الأسد في موقعه، وتعترف بدور إيراني في العراق، وترى وتسمع عن دور إيراني في اليمن وعن تأثير إيراني في بعض مناطق الخليج (العربي). حرص واشنطن على "مشاعر" طهران، انعكس بوضوح في تصريحات الرئيس الأمريكي وفريقه بشأن سوريا، والتي مالت مؤخرًا إلى الكلام عن تسوية سياسية هناك، فيما اكتفت الطائرات الأمريكية بقصف جماعة "خراسان" وبعض مواقع لجبهة النصرة. أوباما وخامنئي، كلاهما يأمل في التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي، قبل بلوغ استحقاق الرابع والعشرين من نوفمبر (الأجل المحدد لانتهاء المفاوضات)، وكالعادة، كلاهما مستعد للوقوف عند حافة الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري، بانتظار أن يتزحزح الآخر عن موقفه. إيران ليست اللاعب الوحيد فوق جثة الشرق الأوسط الجديد، وإن كانت أكثر اللاعبين حتى الآن حصدًا للمكاسب، منذ هجمات سبتمبر 2011 وحتى الآن، فهناك أيضا تركيا، التي تراهن على العودة إلى محيطها العثماني، كورقة للمقايضة مع الاتحاد الأوروبي الذي طال انتظارها عند بابه طلبًا للعضوية، وبينما تريد طهران مقايضة الدور بالقنبلة ولا تبدي واشنطن ممانعة كبيرة، فإن الرئيس التركي أردوغان يريد مقايضة الفضاء العثماني السابق، بالفضاء الأوروبي القائم، ما يقتضي من وجهة نظر أنقرة امتلاك أوراق إقليمية في الفضاء العثماني السابق يمكن مقايضتها بالفضاء الأوروبي، وفي هذا السياق تأتي "مثلًا" زيارة أردوغان للجزائر (جنوب المتوسط) لبحث سبل التوصل إلى تهدئة للأوضاع في ليبيا التي تثير قلق الأوروبيين، كما يأتي حرصه على زعزعة فضاءات لم يعد له بها أي حضور إقليم (مصر مثلًا التي وضعت نهاية لأحلام فريق أردوغان الإخواني بالسيطرة على القاهرة، والانطلاق منها نحو "أستاذية العالم"، ولعل حادثة الاعتداء على لنش للبحرية المصرية في المياه الدولية، تجسد ذروة مساع تستهدف إضعاف أو تقويض دور مصر، لحساب القوى الصاعدة في أنقرة وطهران، وإن كانت التحقيقات لم تكشف حتى الآن عن هوية مرتكبي الاعتداء ولا لحساب من جرى ارتكابه. ثالث القوى الإقليمية الساعية إلى "التمكين" في المنطقة، هى إسرائيل، ولعل نظرة سريعة على ما يجري في القدس الشرقية وفي المسجد الأقصى، تفصح عن سعي اليمين الإسرائيلي لاستثمار حالة الانكفاء العربي على الذات، للانقضاض على قدس أقداس القضية في المسجد الأقصى، وتسريع خطى الاستيطان بالضفة والقدس، دون أن نرى تحركًا واحدًا من جماعات تحمل عناوين مضللة مثل "أجناد بيت المقدس" أو "أنصار بيت المقدس" أو كتائب شهداء الأقصى، أو جماعة أنصار الشريعة، ناهيك عن القاعدة وجبهة النصرة، وكبير الدواعش خليفة المسلمين أبوبكر البغدادي... هل سمع أحدكم او رأى أي تحرك من أي من تلك الجماعات باتجاه القدس والأقصى؟!! كلهم يروجون زورًا أن الطريق إلى القدس يمر عبر القاهرة ودمشق وعمان والرياض... وفي مطلع التسعينيات احتل صدام حسين الكويت بدعوى أن الطريق إلى القدس لا يكون إلا عبرها!! ثمة أدوار تسعى القوى الإقليمية الثلاث إلى انتزاعها، وثمة أدوار يجري تفصيلها وفق مقاسات دويلات كردية وشيعية وسنية في سوريا والعراق، وربما أيضًا في لبنان وفي ليبيا، لكل دور خريطة، ولكل خريطة دور، فصناع الخرائط هم أنفسهم من يوزعون الأدوار، ولن يكون ممكنًا، إحباط مخططات الخرائط والأدوار، دون تفاهمات حقيقية بين قوى الفعل العربية الحية، تصون ما هو قائم وتبني عليه، غير أن البناء لن يستقيم بغير شراكة حقيقية للمواطن في كل قطر عربي... هل قلت المواطن؟!.. نعم... دعونا إذن نبدأ رحلة الدفاع عن الخارطة والدور بتكريس قيم "المواطنة" الحقة، فالوطن لن يحميه سوى أبنائه، الذين يعيشون تحت مظلة المساواة والعدالة والحرية. moneammostafa@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain