على الرغم من الجهود المبذولة من قبل وزارة الإسكان في عملية تشريع الأنظمة الكفيلة لقياس أوضاع أسعار سوق العقار، إلاّ أن بعض التجار تجاوزو الحدود، عبر زيادة الأسعار وبطريقة "تبغى تستأجر، وإلاّ دوّر غيرنا"، مما يتطلب إعادة النظر في الوضع الحاصل، وطرح رؤية جديدة تكون في صالح المستثمر والفرد على حد سواء. وأدت بعض العوامل إلى ارتفاع أسعار إيجار الشقق والوحدات، كالهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى، وكذلك ارتفاع تكاليف مواد البناء (الحديد والأسمنت)، إضافةً إلى صعوبة الحصول على التمويل من صندوق التنمية العقاري نتيجة زيادة الطلب، إلى جانب صعوبة الحصول على قروض تمويل المساكن من البنوك مع ارتفاع نسبة الفائدة، وكذلك محدودية وندرة شركات المقاولات الكبيرة ذات الإمكانات المالية القوية والمتخصصة في بناء المساكن والمجمعات الكبيرة. ولكي نُساهم في حل مشكلة ارتفاع الأسعار لابد من ضخ وحدات سكنية بأعداد هائلة، مما يُساعد على خفضها إلى مستويات معقولة، كذلك لابد من سن القوانين أو على الأقل السماح بتوقيع عقود التأجير ذات السنوات الطويلة وبقيمة ثابتة لتفادي الارتفاعات المستقبلية، إضافةً إلى ضرورة فرض قانون الضرائب على الأراضي السكنية غير المطورة؛ لتخفيض تكاليف خدمات البنية التحتية والفوقية لها. سوق محتكر وقال "د.فهد بن جمعة" -خبير اقتصادي-: إن من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع إيجارات المنازل تكمن في تركيز المستأجرين داخل المدن، متمثلاً في هجرة الأشخاص إلى المدن الرئيسة لطلب العمل، مما سبب اكتظاظاً سكانياً، مضيفاً أن عدم وجود نظام محدد وفاعل لضبط السوق ساهم في الارتفاع، حيث لا يزال النظام الكلاسيكي القديم مسيطراً، وهو من يتحكم في الإيجار: "يا تستاجر، أو مع السلامة"، مبيناً أن المنافسة في السوق العقاري ليست قوية، فلو كانت موجودة لأسهمت كثيراً في حل المشكلة، ذاكراً أن تشريع نظام لكي يتم من خلاله تقنين العرض والطلب يُعد أمراً مخالفاً لمبادئ المنافسة، مشدداً على أنه لا يمكن تقنين ذلك، ولكن الأفضل هو التحفيز على زيادة المعروض من الوحدات السكنية سواء للإيجار أو للبيع من قبل العملاء. وأضاف: الحلول لا تأتي إلاّ بأن تكون سياسات وزارة الاسكان فاعلة، وذلك بتوفير المساكن والوحدات السكنية المناسبة، وكذلك الحد من العمالة الأجنبية، مبيناً أنه إذا تم ذلك سوف توفر شقق ومساكن من شأنها حل جزء كبير من المشكلة، لافتاً إلى أن السوق العقاري يُعد محتكراً؛ لعدم وجود منافسين يمكنهم منافسة التجار الحاليين، مشدداً على أنه إذا تم دخول منافسين من شركات عالمية سوف تنخفض أسعار ايجارات المنازل، مؤكداً على أن من السياسات الهادفة إلى تخفيض أسعار إيجارات الشقق هي تطوير عمارات وأبراج سكنية، وبالتالي تصبح الشقق بها على غرفة أو غرفتين، ذاكراً أن ذلك سوف يُسهم كثيراً في انخفاض الإيجارات، مطالباً بإشراك الشركات الأجنبية في إعمار وتطوير الأبراج. أزمة إيجارات وأوضح "أحمد الدايل" -باحث اقتصادي- أن تحديد قيمة إيجار المساكن يخضع لقانون العرض والطلب، مرجعاً السبب إلى النمو الاقتصادي السريع، إضافة إلى الطلب المتنامي على العقارات بمختلف أشكالها، والذي يتزامن مع نسبة طلب كبير على الوحدات السكنية من شقق وأدوار وفلل، مضيفاً أن الأزمة امتدت اليوم إلى الإيجار بعد أن أصبحت النسبة العظمى من الأسر في مساكن إيجار، مبيناً أن ارتفاع الإيجار وصلت إلى (100%)، مما يعني أننا اليوم أمام أزمة إيجارات مساكن، وستتفاقم إذا لم تكن هناك حلول عاجلة، ذاكراً أن هناك مساكن شاغرة وغير مؤجرة تبلغ نسبتها ما بين (12- 15%) خلال الفترة نفسها، مما يدل على أن أسعار المعروض من المساكن أكبر من نطاق القوة الشرائية لشرائح كبيرة من المجتمع، مشيراً إلى أن نسبة المساحات المبنية في المملكة اثنان بالمائة، وأن (98%) أراض خالية، وسط ارتفاع في أسعار الأراضي بلغ أكثر من (50%) سنوياً، موضحاً أن دول أوروبا تعدت نسبة المساحات المبنية أكثر من (60%)، مع فرض الدولة منع ارتفاع سعر الأرض عن خمسة بالمائة سنوياً. نحتاج إلى وحدات سكنية ملائمة وبقيمة مناسبة وسن قوانين تعزز العقود الطويلة وأرجع أسباب ارتفاع ايجارات الشقق السكنية إلى زيادة الطلب عليها، وزيادة الكثير من دخول صغار المستثمرين إلى مجال العقار، وبالتالي الاستثمار في الوحدات السكنية المؤجرة والمباعة، نظراً للفائدة الربحية المضمونة التي تدر سنوياً وبشكل منتظم، مبيناً أن ارتفاع نسبة الاستثمار العالية كانت جراء الإقبال الكبير الذي يحظى به هذا النوع من الاستثمار، خاصةً من قبل موظفي الشركات الكبرى وموظفي القطاع الحكومي، خاصةً المعلمين، حيث إن أكثر طلبات الاستئجار في الشقق السكنية في المحافظ والمدن الصغيرة كان من قبل المعلمين والمعلمات الجدد، والذين يتم تعيينهم في تلك المحافظات والمدن الصغيرة. مواد بناء وأكد "الدايل" على أن أغلب المهتمين بقطاع المساكن والسكان يتفقون على العوامل المؤثرة في ارتفاع الإيجارات، والمتمثلة في الهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى، جراء سياسات التنمية غير المتوازنة بين المناطق، وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي نتيجة لقلة الأراضي المطورة والمتاحة ضمن النطاق العمراني للمدن، إلى جانب ارتفاع تكاليف مواد البناء (الحديد والإسمنت)، على الرغم من إنتاجها محلياً، وكذلك صعوبة الحصول على التمويل من صندوق التنمية العقاري نتيجة لزيادة الطلب على التمويل وعدم قدرة الصندوق على الإيفاء بالقروض المطلوبة من طرف المواطنين، إلى جانب صعوبة الحصول على قروض تمويل المساكن من البنوك التجارية مع ارتفاع نسبة الفائدة، إضافةً إلى انخفاض القوة الشرائية لشريحة كبيرة من المجتمع وعدم قدرتها على شراء المعروض من الأراضي، وكذلك محدودية وندرة شركات المقاولات الكبيرة ذات الإمكانات المالية القوية والمتخصصة في بناء المساكن والمجمعات السكنية الكبيرة. وأشار إلى أنه يُضاف إلى هذه الأسباب زيادة المضاربات على الأراضي والعقار على اعتبار أنه الملاذ الآمن للاستثمار بعد تجربة انهيارات سوق الأسهم عام 2006م، مما أدى إلى تحويل الاستثمارات إلى مجال العقار وارتفاع الأسعار شراءً وإيجاراً. بيئة نظامية وذكر "الدايل" أن من الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار إيجارات المنازل هو غياب التشريعات والنظم التي تحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، مما نشأ عنه نزاعات في المحاكم، مما أدى إلى عزوف الملاك عن تأجير عقاراتهم، وهو ما تسبب في ارتفاع إيجارها وعدم قدرة المستأجرين في الوفاء بالتزاماتهم، مقترحاً تدخلاً حكومياً بأن لا يُسمح ببقاء الأراضي البيضاء ذات المساحة الشاسعة لفترة طويلة بدون تطوير، وكذلك ضخ وحدات سكنية بأعداد هائلة، مما يُساعد على خفض الأسعار إلى مستويات ملحوظة؛ لأن السوق بحاجة ماسة إلى مزيد من الوحدات، مُشدداً على ضرورة مراقبة الأسعار وسن القوانين التي تمنع ارتفاعها، أو على الأقل السماح بتوقيع عقود التأجير ذات السنوات الطويلة وبقيمة ثابتة لتفادي ارتفاعات مستقبلية، مشيراً إلى أن تفعيل "برنامج إيجار" من وزارة الاسكان سوف يُسهم في تنظيم العلاقة وحفظ الحقوق بما فيه مصلحة كل من المالك والمستأجر والوسيط العقاري، حيث تهدف الوزارة إلى تكوين البيئة النظامية والتشغيلية، بتسهيل عملية البحث عن العقار المناسب، وتوفير مجمل الخيارات المتاحة، وتعزيز عرض العقار بدقة وانتشار واسع، مبيناً أن الرهن والتمويل العقاري متوافران لكن بشكل محدود، حيث يقدم صندوق التنمية العقاري قروضاً بشروط ميسرة إلى المواطنين السعوديين، كما تقدم البنوك التجارية تمويلا ورهوناً عقارية، ومع ذلك لا يمثل الإقراض المصرفي للرهون العقارية سوى حوالي ثلاثة بالمائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة. برامج تحفيزية وشدّد "الدايل" على أهمية وضع برامج تحفيزية للمطورين العقاريين -المستثمرين- كتقديم القروض من البنوك المحلية لبناء الوحدات السكنية المخصصة للإيجار وليس للبيع، موضحاً أن هذا الأمر معمول به في أكثر من دولة في العالم؛ للمحافظة على سقف سعر الإيجارات، وهذه الوحدات المخصصة للإيجار ستجعل هناك موازنة بين العرض والطلب، مضيفاً أن الجهات المعنية إذا أرادت القضاء على التضخم عليها أن تبدأ أولاً بالعقار، نظراً لثقله الأكبر على كاهل الأسر، مؤكداً على أن بقاء أسعار العقار منخفضة يضمن بقاء كثير من السلع على وضعها الطبيعي؛ لأن من يقود الارتفاع الحالي في المعيشة هو العقار الذي يترأس الكثير من القطاعات الاقتصادية المهمة، ويستولي على الجزء الأكبر من ميزانية الفرد، لافتاً إلى أن المواطن لم يطلب من الجهات المسؤولة سكناً مجانياً، بل التدخل وسن القوانين للحد من رفع أسعار المساكن الى درجة الجنون. حالة عزوف وقال "علي الزهراني" -محلل مالي والرئيس التنفيذي لمركز المال والأعمال للتدريب-: إن أسعار الإيجار حالياً مرتفعة، لكن الوتيرة بدأت في التراجع، كما يشير إلى ذلك تقرير تكلفة المعيشة الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، مضيفاً أن الأسباب المؤدية إلى ارتفاع الإيجارات تكمن في عدم وجود نظام يضبط تسارع الأسعار للوحدات السكنية، ويحد من حالة الجشع الذي شهده السوق منذ فترة طويلة، إضافةً إلى ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية بفعل النمو السكاني، وعدم التوسع في المشروعات العقارية ذات القيمة المتوافقة مع القوة الشرائية لغالبية المستهلكين، خاصةً الأسر الصغيرة، وكذلك عزوف بعض أصحاب العقار عن تأجير وحداتهم السكنية على السعوديين وتمكين المقيمين من الحصول عليها وذلك لسهولة التعامل معهم في حال التخلف في السداد، كذلك تتكفل أغلب الشركات بأسعار إيجار مسكان مكفوليهم، مبيناً أن نظام "إيجار" الذي يجري تطويره حالياً من قبل وزارة الإسكان سوف يتم من خلاله تنظيم سوق العقار، عبر بناء سجل ائتماني لكل مواطن يستأجر وحدات سكنية وعرض أسعار الوحدات السكنية في منطقة معينة، وكذلك تنظيم عمل مكاتب العقار. وأشار إلى أن العامل الأساسي لتخفيض تكلفة إيجار المساكن هو زيادة المعروض من خلال البدء بتوزيع الوحدات السكنية التي أعلنت عنها وزارة الإسكان مؤخراً، والتي تفوق (306) آلاف وحدة، مبيناً أن البدائل هي في مبادرة الجهات الرسمية لتغير تركيبة العرض والطلب؛ لأنه المحرك الأساسي، وأيضاً فرض قانون الضرائب على الأراضي السكنية غير المطورة، والتي تكون في النطاق العمراني؛ لتخفيض تكاليف خدمات البنية التحتية والفوقية لتلك الأراضي، مشدداً على أن جشع بعض التجار في رفع الأسعار هو نتيجة عدم وجود أنظمة تنظم سوق العقار، والمتضرر هو المواطن البسيط الذي يطمح لاستئجار مسكن بتكلفة معقولة تتوافق مع متوسط دخله.