×
محافظة المنطقة الشرقية

إلياس: التعادل أمام الأخضر.. أمر إيجابي

صورة الخبر

لو سألنا أي شخص، منذ فجر صحوته إلى ملتقى فراشه للنوم، ماذا عمل طيلة هذا اليوم، كم شخصاً التقى؟ كم اتصالاً أجراه أو تلقاه؟ والأهم كم معلومة استقبلها؟ سنجد أن كل أشكال التواصل قد مرت عليه، من اتصال شخصي، إلى اتصال جمعي في حالات معينة، ولكن الأهم هو الاتصال الجماهيري من خلال وسائل الإعلام ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.. ولو قدر لنا أن نحصي كمية المعلومات التي تلقاها الإنسان في يوم واحد فلن نستطيع أن نقدر حجم هذا التلقي المتنوع في حياته اليومية. و»التنوع» هو كلمة السر في الاختلاف بين شخص وآخر، فالمعروض أمام الناس هو تنوع معلوماتي هائل جداً، وكل شخص يتعرض لملامح بسيطة من المعلومات المتوفرة له وأمامه، ويمكن القول إن الإنسان -أيا كان هذا الإنسان- هو موسوعة متنقلة ليست متوقفة على حجم معين، ولكن يضاف إليها يومياً أو أحياناً لحظياً المزيد من المعلومات والخبرات والقيم المضافة. ولا ينطبق اثنان -حتى لو كانا توأمين- في حجم ونوع المعلومة والخبرة. وما تحاوله وسائل الإعلام الجماهيري منذ بداية عصرها الأول من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي باختراع المطبعة إلى وسائل جديدة من سينما وإذاعة وتلفزيون هو أن تصنع نسخاً متشابهة من الناس فيما أطلق عليهم «المجتمع الجماهيري» أي أن الناس يتعرضون لذات المعلومة ومن خلال ذات المصادر، ويصبح التوقع أن يصلون إلى ذات النتائج المشتركة بينهم، ومن هنا نشأت في دراسات الإعلام ما اصطلح عليه نظرية «الطلقة» أو «الرصاصة» التي كانت تشير إلى سلبية الجمهور وعدم مقاومته لتأثير معلومات أو رسائل تطلقها وسائل الإعلام.. ولكن سرعان ما تلاشى الاهتمام بهذه النظرية في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، وأصبحت القناعات العلمية تفرض وجود متغيرات أخرى وسيطة ومؤثرة في تلقي الجمهور للرسالة الإعلامية وهي التي قد تفرض تأثيراً على الجمهور، مثل العوامل الاجتماعية والتعليمية والنفسية والشخصية وكلها عوامل مهمة لها تأثيرها على «شخصنة» التأثير الإعلامي. وهذا ما نقصده من التنوع والاختلاف في الشخصية الإنسانية، حيث كل ثقافة تختلف عن أخرى وكل شخص يختلف عن آخر حتى داخل نفس الثقافة وحتى داخل الأسرة الواحدة. ولهذا فإن كل شخص منا يختلف عن الآخر في الخبرات والمعارف، مهما استقينا من مصادر مشتركة. وخلال اليوم الواحد يتعرض كل منا لحركة تنوع في الاحتكاك بمصادر مختلفة، وهذه تضيف بعداً تفسيرياً للواقع المعاش، أما البعد المعلوماتي فيتم الاعتماد فيه على وسائل الإعلام الجماهيري ووسائل الاتصال الشبكي عبر الإنترنت. وبين مصادر إعلامية في وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحافة والإذاعة والتلفزيون ومصادر اتصالية حديثة مثل شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الإخبارية وغيرها يصبح التنوع حتمياً في حجم ونوع وتأثير التدفق المعلوماتي إلى كل شخص عن شخص آخر.. ومن هنا، فقد اتجه صانعو الإعلام من المراسلين الإعلاميين بتنوعاتهم الفكرية والسياسية والمجتمعية وبمن فيهم كذلك القائمون على الإعلان التجاري أو السياسي إلى مزيد من التركيز على شرائح معينة ومحددة يتم اصطيادها لتمرير رسالة سياسية أو تجارية، ولم يعد الجمهور العام هو المستهدف الرئيس إذا أريد لرسالة معينة أن تصل وتؤثر، أو رسالة إعلانية أن تخترق فضاء وإدراك واتجاهات وسلوكيات المستهلكين. ولهذا فإن التخطيط لحملات إعلامية أو إعلانية في موضوع معين يستلزم بالضرورة وفي ظل المتغيرات الاتصالية والتقنية الحالية أن نحدد الجمهور بشكل دقيق قبل أن نطلق رسائلنا السياسية والتجارية. وقد أفرزت مستجدات الواقع الاتصالي المعاش ضرورة تحديد الشريحة الجماهيرية المستهدفة، والبحث عنها ومعرفة سلوكياتها الاتصالية ثم توظيف هذه الوسائل كمنصات إطلاق للرسائل الفكرية والسياسية والتجارية وغيرها.. ونعلم أن التطرف والإرهاب هما المادتان السياسيتان الفكريتان المهيمنتان على واقع منطقة الشرق الأوسط، وللتطرف والإرهاب تأثيره على الأحداث في المنطقة وفي كل دولة من دول المنطقة، ولكن إذا نظرنا إلى المشهد الإعلامي والاتصالي الذي يتم توظيفه لمكافحة الإرهاب أو لمناهضة التطرف سنجد أنها رسائل عامة موجهة للجميع، رغم أن المستهدف من هذه الرسائل بالدرجة الأولى هم فئات محددة عمراً وفكراً ومكاناً، وتصبح الرسائل العامة هي ربما ذات نتائج عكسية تصب في إطار التوعية والتثقيف وزيادة الاهتمام بمثل هذه الموضوعات لدى أولئك الذين يقعون في منطقة رمادية قابلة للميلان إلى اتجاه تطرف معين. وإذا استطعنا أن نسقط مثل هذه الرسائل التي نستهدفها على أشخاص ضمن برنامجهم اليومي الذي يتلقون فيه معلوماتهم من مصادرهم ربما وباحتمالية أكبر أن تصل مثل هذه الرسائل إلى الأشخاص المعنيين.