كلمة «blush» باللغة الإنجليزية ليس لها مقابل باللغة العربية، فهي تعني عندهم احمرار الخدود خجلا. لا أدري هل الإنجليز احتاجوا لهذه الكلمة بعد كل ما فعلوه في عهد الاستعمار مما تحمر الخدود خجلا منه، أم لأننا لا نحمر خجلا مما نفعله فلم تلزمنا حاجة لمثل هذه الكلمة. جرى لي حديث في هذا الصدد مع سيدة أميركية أرادت أن تمازحني فقالت: «أنتم يا أبناء الشعوب السمراء لا يحمر وجهكم خجلا لأنكم لا تخجلون من أعمالكم». قلت لها: «كلا.. أنتم احتجتم لهذه الكلمة للتعبير عن كل ما ينبغي عليكم أن تخجلوا منه حيال الشعوب السمراء، خصوصا الرقيق الذين استعبدتموهم في أميركا». يعبر كل عضو في الوجه عن حالة معينة؛ الأذن عن الطرب، العين عن الحزن، الفم عن السرور، اللسان عن الغضب، والخدود عن الخجل. حدا ذلك بأحد العلماء الإنجليز، هو الدكتور روبرت ادلمان، إلى تكريس 10 سنوات من حياته لدراسة ظاهرة احمرار الخدود خجلا. وقد استحقت الظاهرة كل هذا الاهتمام منه لأنها ظاهرة مزعجة للأوروبيين، ولنسائهم على وجه الخصوص، إلى حد أن بعضهن يتقاعدن عن العمل بسبب ابتلائهن بها.. لا يقول لها المدير «صباح الخير» إلا ويحمر خدها فينصرف ذهنه لشتى التصورات الخبيثة وغير الخبيثة عن مشاعرها ومقاصدها. نشر الدكتور ادلمان أبحاثه في كتاب بعنوان «العيش مع الاحمرار خجلا». وهو كتاب لا تقرأه سيدة في القطار دون أن تحمر خدودها. ودون أي شعور بالخجل من جانبي، يقول هذا الباحث بأن المرأة السمراء تحمر خجلا ويتدفق الدم لخدودها ككل امرأة بيضاء، ولكن بشرتها المشبعة باللون الأسمر تحول دون ظهور حمرة دم الخجل. ويقول الباحث إن ذلك يتأثر أيضا بسُمك البشرة.. ولهذا فخدّ المرأة يحمر خجلا أكثر من الرجل لا لأنه أقل منها خجلا، وإنما لأن بشرته أثخن من بشرتها، فلا نرى احمرار خدوده. ويختتم الدكتور الباحث كتابه بإعطاء نصائح عن معالجة الابتلاء بهذه الظاهرة، يأتي في أولها السعي لزيادة سمك البشرة. ويظهر أن بعض المتزوجين والمتزوجات يسعون لذلك بالضرب والصفع المتبادل عند كل هفوة وفي كل مناسبة أو دون مناسبة. وطالما ارتبط احمرار الخدود بالخجل مما نفعله، وطالما أصبحنا مهووسين بالديمقراطية البرلمانية، فهنا أجد معيارا من هذا المنطلق في انتخاب النواب أو الرئاسة.. من منهم أكثر خجلا وتعرضا لاحمرار خديه عند الخيانة أو السرقة أو المحسوبية أو سوء الحكم؟ وهذا يقتضي تطوير جهاز يكشف عن سمك بشرته.. يخوض الحملة الانتخابية فيقول في نشراته وشعاراته: «المرشح الوحيد ببشرة لا تتجاوز عشر عشر الملليمتر». وينشر منافسه شعارا مغايرا يقول: «انتخبوا مرشحكم الذي يحمر خده كلما فتح حقيبته». وإذا كان المرشح للرئاسة امرأة فتنشر صورها في كل منشوراتها فوق عبارة تقول: «انتخبوا المرشحة التي لا تفارقها حمرة الخجل عند الفشل»!