معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة خدم دينه ووطنه ومليكه خمسين عاما، وهو عمر طويل (أمده الله بالصحة والعافية فيما تبقى له من عمر)، ويحق له أن ينعم بالهدوء بعد ركض طويل ومضنٍ في مواقع المسؤولية المختلفة. وقد تكون فترة عمله سفيرا في لبنان من المراحل المهمة التي استطاع فيها الدكتور عبدالعزيز خوجة هندسة العلاقات السعودية اللبنانية وموازنة مصالح بلاده مع مختلف القوى المتواجدة هناك، وكذلك تواجده في روسيا والمغرب، فهي أدوار تستوجب الفطنة والتنبه وتحقيق نجاحات متقدمة من غير ضوضاء أو ادعاء، ومع توليه منصب الوزير كان حريصا على دفع عجلتي الإعلام والثقافة للأمام، مشركا كل أصحاب الأفكار في مشاركته ذلك الهدف. وقد أخذ عليه خصومه دماثة أخلاقه، وعجبا أن تكون دماثة الخلق عيبا، فهم يرون أن تلك الدماثة جعلته غير قادر على الحسم في أمور عديدة، وهذا المأخذ ــ لعمري ــ مأخذ يجعل من معاليه الإنسان الذي حقق بدماثته تجاوزا عن صغائر الأمور وتحقيق الأهداف التي أرادها لزمن توليه منصب الوزارة. والطاعن يرى في نبلك نقصا، وفي تواضعك ضعفا، وفي شهامتك عجزا، وفي إنجازك إخفاقا، ومثل هذه الأحكام تدل مباشرة على أن من أطلقها يبحث عن مصالح خاصة لم تتحقق له، فلجأ إلى انتقاص من يسعى بأخلاقه إلى اكتمال العمل الحاسم الجاف بتغذيته أخلاقيا؛ كي يغدو عملا قيميا يجمع ما بين المعاملات الإدارية والخلق الإنساني. ومنصب وزير الإعلام في بلادنا (قبل أن تجمع معه الثقافة) ظل منصبا مستهدفا لرمي النبل من قبل الأيدلوجيات المختلفة لأطياف المجتمع، وهو أمر طبيعي يحدث في كل العالم، إلا أن مجاورة الثقافة للإعلام جعل هذا المنصب يكتسب عداوة فئة محددة من المجتمع (وهي الفئة المتشددة، والتي لا تريد أن يتحرك المجتمع للأمام بأي صورة كانت)، ولو تذكرنا ما حدث من هجوم كاسح لوزراء الإعلام والثقافة السابقين (ومنهم الدكتور عبدالعزيز خوجة) سنعرف تماما أن الجميع حقق هدفا ثقافيا واجتماعيا (على الأقل) بتحريك المياه الراكدة، ومنح الثقافة مجالا للحركة واكتساب حضور اجتماعي من خلال معرض الكتاب والتلميح بقبول بقية الفنون كعناصر مهمة في إحداث نقلات نوعية لدى تلك الفئة المتشددة؛ كقبول السينما من خلال عروض الأندية، وكذلك المسرح، وإشراك المرأة في الفعاليات الثقافية وإعطاء التلفزيون والإذاعة تنوعا.. وقد يلوم شخص ما هذا القول بأن كل ما أشرت إليه كان متواجدا منذ زمن بعيد، وهذا اللائم ربما قفز على حقيقة أن مجتمعنا مر بفترة زمنية حدث فيها انقطاع وجمود حتى غدا ما يحدث في الماضي (من استهلاك للفنون) غير ممكن. وعندما يلام الدكتور عبدالعزيز خوجة على دماثة أخلاقه نكون قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من التيبس الأخلاقي حتى نحكم على صاحب الأخلاق الحسنة بأن أخلاقه تعد عيبا فيه. ويحق للدكتور عبدالعزيز حوجة، بعد رحلته الطويلة في خدمتنا، أن يطلب قليلا من الوقت لكي ينعم بالهدوء والسكينة بعيدا عن الأجواء الصاخبة، فالعمل كوزير إعلام وثقافة كمن حمل مطرقتين تدقان رأسه، واحدة في الصباح، والأخرى في المساء. فشكرا للدكتور عبدالعزيز خوجه لدماثة أخلاقه ولبلائه الحسن في جميع مناصبه التي تولاها. Abdookhal2@yahoo.com