قد ينتابك شعور بالغربة تجاه كل ما حولك أو بالخوف على فقد شيء تحبه تجد به حياتك وأنسك، قد تشعر بالإعياء الفكري أو النفسي أو الجسدي فيثير في وجدانك ما يتطاير بك فلا تعلم أين ما يطمئنك ويريحك فتقول «حطة». كثيراً ما نتقلب على صفائح باردة وساخنة ونلج في الظلام ثم نخرج إلى النور ونقع في مطب ثم نقفز فوقه ونجتازه، ليس ذلك بمؤلم بقدر ما يأوي بنا إلى درك لا نحسن الخروج منه، إلى حالة مرضية تدك أرواحنا فلا تعد تستطيع التحليق. إلى خلق بائس يتربص الدوائر بمن حوله ويفرح بألم غيره ويقتات على خبز ليس له، وينام على دثر تقلب بها أهلها. كل ما يمر بنا في مسيرة الحياة الصاخبة ليس خارجا عن قدرتنا على الاستيعاب والمواصلة والبقاء على النقاء، وإنما ما نتعامل معه بجهل وعصبية، فنركبه على موج ونقذف به كيف ما ذهب وكيف ما عاد، وما نعالجه في دائرة العقل وهو ضيق لا يستوعب مداه ولا يرى أرجاءه فيتضاءل به حتى يحبس أنفاسه فيقطعها. ما الخوف إلا ألم نابع من تصور الشر إذا سمحنا له بالجلوس في غرفة التحكم الداخلية في أنفسنا، يحيلنا إلى سحيق فلا نعود بمقدرة على لملمتها أبداً. تلك اللحظات التي تستشعر بها البؤس أو الخيبة أو الضعف، تجعلك في وقتها كمن يخرج من جلده فيلفحه الحنين وهو مرهق لا مقدرة له على مجاراته، كمن أفاق من غيبوبة طويلة فأخذ يقلب وجهه في مرآة وهو ينكرها! لنتذكر دائماً أنه إذا أردنا السفر لنأخذ تأشيرة نخرج بها من وعثاء الكدر إلى رحابة لا ضيق ولا حزن بها، إلى حيث الحب. في أمان الله.