عبد الرحمن الطريري منذ أكثر من خمسة عقود لم يغيّرا جدولهما اليومي، فصوت أذان الفجر المنبعث من مئذنتي مسجدي الحي هو موعد لقائهما، إذ يسيران جنباً إلى جنب، ليدخل كل منهما مسجده، ويعودان مجددان ليترافقان إلى المخبز، حيث ينتظران خبز «الهالي»، قبل أن تعصف بهما الحكايات والذكريات، ليبدو يومهما كالمعتاد من دون تغيير. تربط بين السعوديين عبدالله العلي شيعي وعبدالله محمد الكالوف سنَّي علاقة تعدَّت الجيرة والصداقة، فمن يراهما وهما لا يفترقان لا يستطيع أن يميز انتماءهما المذهبي، فلا اختلاف بينهما على الإطلاق، وشكّلت علاقتهما نموذجاً لأفضل تعايش في أرض التعايش الطائفي واحة الأحساء. النص أعلاه ورد في مقالة الزميل محمد الرويشد الذي نشر في صحيفة «الحياة» بتاريخ ٣٠-٨-٢٠١٢، واصفاً مجتمع الأحساء عبر قصة الجارين الشيعي والسني، والحقيقة أن لا وصف يشترك عليه السعوديون للأحساء أكثر من كونها واحة التسامح، فهي أرض النخيل وعيون المياه والطيبة. اليوم نعيش حادثة الأحساء الإرهابية، التي أرادت إشعال فتيل الطائفية في منطقة لم تعرف تفرقة طائفية قط، وليس المستهدفون هم الهدف بشخوصهم أو مذهبهم، بل المستهدف هذا الوطن الذي يسعى أعداؤه للنيل منه ليل نهار. وتعلم المملكة أن هذه التحديات حدثت سابقاً وستتكرر، إذ جربت عدوانهم المباشر في حالات عدة، مثل محاولة إيران اغتيال السفير السعودي في واشنطن، أو محاولة «القاعدة» في اليمن المساومة لتحرير سجناء الفئة الضالة في المملكة، عبر اختطاف ديبلوماسي سعودي في اليمن. وجربت المملكة محاولات عدة لتخريب الأمن داخل أراضيها، عبر المحاولات المتكررة للإخلال بأمن الحج، والمحاولات الدؤوبة لجر رجال الأمن للاشتباك في القطيف ومناطق أخرى، ولكن حكمة رجال «الداخلية» كانت ما يثير حنق أصحاب الأجندات الخارجية، ومرجعاتهم السياسية وإن تعممت. وقوع حوادث إرهابية لا قدر الله في المملكة، كان أمراً متوقعاً لاسيما والمملكة هي رأس الحربة في التحالف الدولي ضد «داعش»، والذي كان معلوماً من البداية أنه سيؤدي إلى التضييق على عناصر التنظيم، وسيعود بالضرورة من يبقى من العناصر على قيد الحياة لبلده، ولا نبوح سراً حين نقول إننا جميعاً ندرك أن لنا أبناء كثراً في سورية والعراق ممن غرر بهم وزين لهم الجهاد، وكان الدافع الأكبر الجنس والطائفية. الجنس رأيناه في الشريط الأخير الذي عبر عن سوق نخاسة للشهوات بامتياز، والطائفية موجودة في خطابات المحرضين منذ أربعة أعوام، فتصل عقلية المقاتل بعد غسلها إلى نمط تفكير مؤداه، أنه ذاهب لاغتيال الروافض في سورية والعراق، وبالطبع لن يتخلى عن هذه العقلية الإقصائية بعد عودته، ومثال ذلك قائد الخلية الذي ذكرت الأجهزة الأمنية أنه عاد متسللاً من العراق وسورية. المشهد لم يكن سوداوياً بالمطلق، فمن الإيجابيات بيان علماء الأحساء الذين رفضوا الحادثة وأبدوا حكمة المفتي، وكذلك إشادتهم بالقيادة الحكيمة، ولا ننسى أن الملك عبدالله هو من أسس ودعم حوار الأديان والمذاهب، حين كان أشقاؤنا في العراق يقتلون على الهوية، في الفترة ما بين حماقة غزو العراق ٢٠٠٣ وتفكيك الجيش والمؤسسات، وبين حماقة سحب الجنود الأميركيين في ٢٠١١. وزارة الداخلية قامت بعمل جبار خلال ٢٤ ساعة، منحت المواطنين شعوراً بالأمان، وأعطت رسالة لمن يفكرون بزعزعة الأمن، والرسالة أبعد من ذلك حيث تعاملت الدولة مع الحادثة جنائياً، بمعنى أن هناك جريمة والدولة لاحقت وقبضت على المتسببين، كدولة قانون لا يفرق قانونها بين المذاهب، بل يهدف القانون لحفظ سيادة الدولة وسلامة المواطنين، ولا شك في أن العملية الأمنية والتمسك بالتعايش في لغة أهل الأحساء بعد الحادثة، أزعجا كثيراً من العمائم البيضاء والسوداء الذين أرادوها بؤرة تطرف شبيهة بطرابلس اللبنانية، وأنصحهم بقراءة تاريخ الأحساء وقصص تشابه قصة العلي والكالوف الواردة في مقدمة المقالة.