ــ في الوقت الذي انشغل فيه السلفي القديم بقضايا التحريم والنظر بشبهة إلى كل من يختلف معه ولو في الشكل والمظهر؛ انشغل الآخرون بتقديم أنفسهم بطرق جذابة ومغرية تقوم على احترام الآخر والتحاور معه، وعذره بقدر المستطاع في طريقة تدينه ما لم تمس بثابت من ثوابت الدين. ــ اليوم كلما تهاوت جماعة طارئة أو حزب تجاري؛ ظننا أن السلفي القديم سيستفيد من هذا الدرس المجاني الذي يحدث أمامه، وأنه سيحاول مراجعة نفسه ورؤية المسافة التي تفصله عن العصر بوضوح وتجرد، ولكن مع الأسف يبدو أننا كنا واهمين، وواهمين جداً؛ إذ لا يزال السلفي القديم يرتاب ثم يحرم ثم يفكر!! ــ المدهش أنك تشعر أحياناً أن السلفي القديم طيب جداً إلى درجة أنه يجيب على قدر السؤال المفخخ الذي يراد من جوابه التحريم، وقد رأينا كثيراً من الأسئلة الموضوعة بعناية بحيث يكون جوابها كما يريد السائل تماماً، وفي أحيان أخرى يعطيك هذا السلفي القديم انطباعاً مثيراً أنه هو من يلعب بالبيضة والحجر، وأنه أخطر مما يتوقع الآخرون، وأنه الثابت الوحيد وسط المعمعة. ــ إذاً هل لا يزال السلفي القديم ينظر إلى العالم من زاوية الحلال والحرام فقط كما يقول خصومه؟ الحلال والحرام الذي يفسره هو ويصنعه ويوزعه على عباد الله دون حوار أو استعداد ذاتي للمراجعة أو التوقف ولو قليلاً لمعرفة تفاصيل ما يجري حوله من تطورات مذهلة؟ ــ أم أن السلفي القديم هو الداهية الذي ينصب الفخاخ لكل هذه الجماعات الطارئة ويكنسها في كل عصر كي يبقى ويهيمن، ولذلك يتفقون على محاربته وتشويهه لأنهم يعلمون مدى قوته وخطورته، ولأنه لاعب رئيس لا يستهان به؟ ــ بالطبع ليست السلفية دماراً ولا جهلاً ولا حرباً هوجاء مع المختلف، ولكن بعض من يمثلها يجعلها كذلك، ويضيف إليها كل أنواع الاستعداء، ولذلك فمن يدمر السلفية بالدرجة الأولى ويجعلها لغزاً بين النور والظلام هو من يمثلها بهذا الشكل التعسفي المتجهم، وليس أعداؤها فقط وهم كثر.. أظن أن السلفي يحتاج إلى ربيع من نوع ما، ولكن ليس مثل الربيع العربي الفاشل والمخجل.