السياسة الإسرائيلية، المعتمدة على منطق القوة ومظلة الفيتو والدعم الأمريكي غير المحدود، تدفع بالصوت المعتدل في الساحة الفلسطينية إلى الزاوية الضيقة، فلا يبقى له إلا المواجهة، بعد أن ساقته تلك السياسة الهوجاء المتعنتة إلى واقع أفقده قدرة الاقتناع والإقناع بالعودة إلى طاولة الحديث المتكرر عن المفاوضات. وليس خافيا أن القوة المحتمية بدعم الدول الكبرى تزيد من شهية الإسرائيليين لابتلاع الأرض وتجاهل الحقوق وتجاوز ما نصت عليه اتفاقيات السلام، وإذا لم تتحرك الأسرة الدولية وهيئاتها لإيقاف هذا الانحدار، فإن المنطقة مرشحة لمزيد من الحرائق والتوترات. وإذا كانت الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، جادة في العمل لإيحاد صيغة تقبلها جميع الأطراف، فعليها أن تخطو في اتجاه إيقاف التعنت الإسرائيلي الذي تتجاوز استفزازاته الفلسطينيين إلى عمق المشاعر العربية، ويعرض مشروع الحل السلمي لخطر حقيقي يفقده معناه ويقضي على الأمل في نجاحه عند أكثر المؤمنين به. وحتى يبقى الأمل الضئيل حيا في إمكانية الوصول إلى تسوية تمنح الفلسطينيين بعض حقوقهم، فإن على الدول الكبرى أن تمكن قيادة هذا الشعب من التحرك للاحتفاظ برأي عام يؤمن بجدوى الحلول السلمية، أما إذا استمرت الدول الكبرى في موقف المتفرج على قوي يفرض إرادته على ضعيف متمسك بحقه، فإن مساحة الرفض ستتسع، الفلسطينيون تحملوا الكثير وفقدوا الكثير وضحوا بالكثير، والإمعان في إذلالهم لن يقود إلى السلام، فعلى الجميع أن يسهم في إيقاف جنون وتعنت اليمين الإسرائيلي الذي يدفع بالمنطقة إلى المزيد من التوتر.