يتطلّع لبنان إلى خروج لقاء مجموعة الدعم الدولي الخاص به على هامش القمة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك في 25 الجاري، بتعهدات عملية لدعم مؤسسات الدولة والاقتصاد وتمويل عمليات النزوح إلى أراضيه، من بين ملفات مهمة أخرى سياسية. ويقدّم لبنان في الاجتماع تقريراً أعدّه البنك الدولي بطلب من الحكومة اللبنانية، وبالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، يقوّم الأثر والكلفة الناتجيْن عن الحرب في سورية ونزوح المواطنين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، على مؤسسات الدولة والاقتصاد والمجتمع والبنية التحتية والخدمات التعليمية والصحية. وأظهر أن خسائر الاقتصاد بلغت 7.5 بليون دولار، وكلفة تأمين الخدمات العامة للبنانيين واللاجئين السوريين والفلسطينيين 2.1 بليون دولار. وكشف مصدر وزاري لـ «الحياة»، أن لبنان ذاهب إلى هذا الاجتماع على أمل الحصول على تعهدات برزمة من الهبات من المجتمع الدولي. ولفت إلى أن التقرير نقطة الانطلاق في اتجاه المانحين لإبراز مدى صعوبة الوضع الاقتصادي في لبنان نتيجة هذه الحرب، وعجزه عن المضي وحده في طريق إعانة اللاجئين، الذين باتوا يشكلون ثلث عدد الشعب اللبناني (914 ألفاً). وذكّر بأن الدولة بكل مؤسساتها ومنذ اندلاع الأحداث في سورية وتدفق اللاجئين، لم تتوقف عن إطلاق النداءات للمجتمع الدولي وعقد اللقاءات مع ممثليه في لبنان للحصول على دعم. ولا يملك المصدر الوزاري أي تصوّر لنتائج لقاء المجموعة الدولية ومدى تجاوبها مع هذا الملف، موضحاً أن النتيجة ستكون ساعة إقرارها في نيويورك. ولا يختلف الخبراء الاقتصاديون في لبنان على أن «نتائج الأزمة السورية على الاقتصاد تبلغ مستويات خطيرة جداً»، على ما أكد الخبير الاقتصادي كمال حمدان المدير التنفيذي في «مؤسسة البحوث والاستشارات» في حديث إلى «الحياة» وهو أحد المشاركين (عبر فريق البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) في إعداد التقرير، لافتاً إلى أن الاقتصاد اللبناني وعلى امتداد الأعوام 2007 و2010، «نما وسطياً بنحو 8 في المئة سنوياً لينخفض بعد عام 2010 إلى 3 و 4 في المئة». واعتبر أن «نصف هذا الانخفاض يكاد يكون عائداً إلى الأحداث في سورية، أي أن لبنان خسر وسطياً نحو 3 في المئة من نمو ناتجه خلال الأعوام 2011 و2013 بسبب تلك الأحداث. وتُرجم هذا التراجع خسارة متراكمة في الناتج خلال هذه الفترة بقيمة لا تقلّ عن 7 بلايين دولار (كان الدخل القومي نحو 44 بليون دولار عشية الأزمة السورية)». وربط أسباب خسارة نسبة 3 في المئة من النمو بـ «الزلزال السياسي والأمني الذي لم تكتمل فصوله بعد في المنطقة العربية، بما في ذلك تداعيات قرارات مجلس التعاون الخليجي بعدم تسهيل مجيء رعاياهم إلى لبنان». ورصد «تماثلاً كبيراً بين الخريطة الجغرافية لتوزّع النازحين على الأراضي اللبنانية وخريطة توزّع الفقر في لبنان، بحيث نزح السوريون الفقراء من الأرياف إلى المناطق المماثلة اجتماعياً وتحديداً في البقاع والشمال اللذين يستقطبان وحدهما نحو 70 في المئة من عدد النازحين. وفي أكثر من 50 في المئة من بلدات هاتين المحافظتين يكاد يزيد عدد اللاجئين على عدد السكان اللبنانيين». المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين وإذ نوّه حمدان بجهود المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين إزاء متابعة تسجيل حركة النزوح، لاحظ أن «عدداً من عمليات التسجيل يبقى عرضة لتساؤلات مشروعة، منها مدى شمول هذه العمليات للمخزون الوسطي من السوريين العاملين في لبنان عشية الأحداث، أم لا، ومدى أخذها في الاعتبار الهجرات المعاكسة للنازحين السوريين، فضلاً عن عودة اللبنانيين الذين كانوا يعملون في سورية وتكرار التسجيل المزدوج لنازحين يتنقّلون بين المناطق». وتنجم عن عمليات الإغـاثة التي تســاهم فيـها الدولـة ضغـوط هائـلة عـلى قـطاع الخدمات العـامة، إذ رأى حـمدان أن «تـدفقـات بشرية بهذا الحجم غير المـســبوق ترتّب آثاراً ضخمة على مسـتوى عـمـليات الإغاثة وتأمين الغذاء والحاجات الأسـاسـية من الخدمات للنازحين، إذ تقع على وزارة الصحة مسؤوليات جسيمة في توفير الحد الأدنى من خدمات الرعاية الصحية، وكذلك على وزارة التربية التي أخذت على عاتقها تلبية حاجات ما يزيد على مئة ألف تلميذ (أواسط 2013) التحقوا بالمدارس الرسمية». وفي الإيواء، وعلى رغم التقديرات التي تشير وفق حمدان إلى «اعتماد نحو 70 في المئة من الأسر النازحة على عقود إيجار، يعيش أكثر من ثلث هؤلاء في وحدات سكنية مرتجلة أو كاراجات أو في أبنية سكنية غير منجزة، فيما يتوزّع الباقون، لدى أقارب أو أصدقاء أو في خيم مقامة على حيازات زراعية أو على أطراف البلدات». واعتبر أن «أياً يكن حجم الدعم من منظمات دولية وحكومات أجنبية، فهو لا يغطي إلاّ النذر اليسير من متطلبات معالجة هذا النوع من المشاكل المرشحة للاستمرار». واستحوذ انتظام سوق العمل على قسط كبير من المخاوف والاهتمامات، في ظل المنافسة لليد العاملة اللبنانية، خصوصاً في الأرياف، حيث يتوسع عرض العمل الرخيص من اليد العاملة الوافدة وافتتاح الأعمال الصغيرة التي تأخذ من درب اللبنانيين في هذه البلدات الفقيرة. وأشار المصدر الوزاري في هذا المجال، إلى بدء تنفيذ إجراءات، وأُقفل فعلاً 370 محلاًّ في مناطق البقاع، وستُستكمل في بقية المناطق. وفي وقت حدّد حمدان النتيجة الخطيرة في هذا المجال، معتبراً أن «مجرد التفكير في استمرار تزايد عدد النازحين استناداً إلى تقديرات مفوضية اللاجئين، يجعلنا نتوقع أن يشكل السوريون بين 35 و50 في المئة من حجم القوى العاملة المعروضة في لبنان»، أكد أن هذا «الأمر غير مسبوق في أي من تجارب بلدان العالم». لذا لم يستبعد «ارتفاع معدل البطالة (بما يشمل السوريين من عارضي العمل) إلى نحو 20 في المئة في نهاية 2014 في مقابل 11 في المئة عام 2010، وسط تراجع ملحوظ في طلب المؤسسات على العمل نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية»، مع العلم أن أكثر من 98 في المئة من المؤسسات يقل عدد العاملين فيها عن 10 عمال. ولم يخفِ حمدان «قلقاً كبيراً» من استقرار الهجرات السورية لفترات طويلة»، لذا «لن يكون سهلاً على الحكومة والمجتمع المحلي التعامل معها من دون توافر دعم عربي ودولي، وإطلاق مشاريع استثمارية ضخمة وذات أولويات مدروسة بمشاركة القطاعين العام والخاص، لتوفير فرص عمل لاستيعاب هذا التدفق».