أحد رجال حائل البارزين في عهد الأمير "ابن رشيد"، كما أنه أحد أهم رجالات الملك عبدالعزيز بعد توحيد المملكة.. وهبه الله الذكاء والفطنة وحسن التصرف، وتقلد منذ شبابه مناصب سياسية عديدة، كما انتدب لأكثر من دولة، وعُرف بإخلاصه وصدق انتمائه لوطنه، كما اشتهرت تجارته في أنواع الأسلحة التي كان يوردها في نجد ب"سلاح ابن ليلى"، كما مثّل الأمير عبدالعزيز بن رشيد باسطنبول في عشرينات القرن الهجري المنصرم، وبعد لقائه بالملك عبدالعزيز في العهد السعودي تم تعيينه في مجلس الشورى، ثم عيّنه الملك عبدالعزيز قنصلاً للمملكة في العراق، ثم في دمشق، والقارئ لسيرة وحياة "ابن ليلى" -رحمه الله- يقف كثيراً عند المثل الشعبي القائل "فلان طلعة رشيد" حيث يُقصد فيه "رشيد بن ليلى". ولد الشيخ "رشيد بن ناصر الرشيد بن محمد بن ليلى" عام 1282ه الموافق 1864م، وقيل عام 1294ه، وتلقى تعليمه في الكتاتيب بمدينة حائل، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، إضافةً إلى حفظه ما يقارب (300) حديث من صحيح البخاري، وكان حينها يقرأ على عدد من علماء حائل، منهم أخوه لأمه الشيخ "صالح السالم"، وقد كان -رحمه الله- مجوداً للقرآن الكريم، نبيهاً، ذكياً، فطناً، بارعاً بالحفظ، يحب العلوم والمعارف، وفي شبابه اتجه للعمل السياسي فأصبح بما وهبه الله -سبحانه وتعالى- من العلم والحكمة والدراية أحد رجال الشُعب السياسية، حيث عمل في السلك الدبلوماسي، وأصبح سفيراً للأمير عبدالعزيز بن رشيد -رحمه الله- في اسطنبول، حين كان في العشرينات من عمره، وهو ما دفع الخليفة العثماني "عبدالحميد الثاني" إلى أن يمنحه لقب "الباشوية"، كما منح سفير الملك عبدالعزيز الشيخ "صالح بن محسن بن عذل" اللقب نفسه. عُرف عن الشيخ رشيد -إلى جانب ذكائه الحاد وحنكته السياسية- العديد من الصفات الحميدة، بالإضافة إلى سرعة حفظه القرآن الكريم قراءة وتجويداً، وحفظه الكثير من الأحاديث النبوية، وكان -رحمه الله- يقرض الشعر الفصيح، ويجيد اللغة التركية تحدثاً وكتابة، كما كان يجيدها شعراً، وهو مع هذا مطلع بشؤون ودروب السياسة في عصره، عارف بفنون وآداب المراسم والتشريفات، وله علم وخبره في السلك الدبلوماسي. اشتهر بتجارة الأسلحة أثناء حكم العثمانيين وعُرف ب«سلاح ابن ليلى».. وهو المقصود بالمثل الحائلي «فلان طلعة رشيد» مندوب لتركيا ذكر "محمد العلي العبيد" -صاحب النجم اللامع للحوادث جامع- أنّه جرت محاورة عند السلطان العثماني، وكان عنده "رشيد بن ليلى" مندوب الأمير "سعود بن عبدالعزيز بن متعب آل رشيد" أمير حائل في ذلك الوقت، فتكلم رشيد عند وزير السلطان، وكان الوزير يبلغ السلطان عن الرعية وكل ما يحدث داخل "الإستانة" وخارجها، مبيّناً أنّ "ابن ليلى" حاول من خلال محاوراته مع السلطان إقناعه ببعض الأمور حول دعوة الشيخ "محمد بن عبدالوهاب" -رحمه الله-؛ مما جعل الخليفة يأمر وزيره باستدعاء "صالح اليحيا الصالح" -أمير عنيزة الأسبق-، وكان حينها حاضراً في اسطنبول، وأمر السلطان أن يسأل "صالح اليحيا" عن ما قاله "رشيد بن ليلى"، فسألوه عن ذلك، فاستكبر "صالح اليحيا" قول "ابن ليلى"، وقال: معاذ الله مذهب السعود والرشيد وأهل نجد كافة واحد، وليس بينهم اختلاف في العقائد ولا في الأديان، فكلهم يقلدون مذهب الإمام أحمد بن حنبل فقط، إن النزاع لا يزال قائماً على الملك، وكلهم مسلمون موحدون يؤمنون بالله وبرسوله، وبعد هذا الجواب أرسل "رشيد بن ليلى" ل"سعود بن رشيد"، يخبره بما جرى، ويقول في كتابه: "جلستي في اسطنبول مالها ثمرة، لأنني أفتل، وصالح اليحيا ينقض"، لكن هذه القصة زادت من مكانة "ابن صالح" عند "ابن رشيد"، فلم يتغيّر عليه، كما بقيت مكانة "ابن ليلى" سامقة بفضل ما وهبه الله من حكمة ودراية. المناصب التي تقلدها كان "رشيد ابن ليلى" -رحمه الله- صاحب أعمال وطنية جليلة، وشديد الانتماء للأرض والوطن، فتقلد عددا من المناصب في عهد "ابن رشيد"، ومن ثم عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، ويذكر "د.عبدالعزيز بن علي الزهراني" في كتابه "رجال من الشورى" أنّ "عبدالعزيز بن رشيد" بعث "ابن ليلى" إلى مجلس "المبعوثان" في القسطنطينية كوكيل له في تركيا، فأقام بها ما يقارب من عشرة أعوام، كما منحته الدولة العثمانية لقب "باشا"، واشتهر خلال الفترة بتجارة السلاح، حيث كان يجلب السلاح إلى الجزيرة العربية، وكان معروفاً في نجد ب"سلاح ابن ليلى"، وبعد توحيد المملكة أصبح مقرباً عند الملك عبدالعزيز، فأولاه عدة مناصب، ففي عام 1349ه عين عضواً في مجلس الشورى السعودي إلى عام 1351ه، وكانت له علاقات قوية مع معظم الزعماء في ذلك الوقت، من الملوك، والأمراء العرب، والأتراك، والألمان، والفرنسيين، الذين فاوضهم بطلب من الملك عبدالعزيز لإطلاق سراح "فؤاد حمزة"، عندما حكم عليه المستعمر الفرنسي في بلاد الشام بالإعدام، كما تم تعيينه قنصلاً في دمشق، ووكيلاً للملك عبدالعزيز، قبل إنشاء السفارة اعتباراً من 16 المحرم 1352ه، واستمر في هذا العمل حتى وفاته -رحمه الله-. ثواب الإخلاص يذكر الأستاذ "عبدالرحمن بن سليمان الرويشد" في كتابه "عبدالله السليمان الحمدان" أنّ من مزايا الملك عبدالعزيز اصطناعه للرجال، ذلك أنّه كان يعتقد في نفسه أنّ الإخلاص في العمل غريزة قلما يتجرد منها الإنسان، لذلك فهو -أبداً- لم يفقد الثقة في أولئك الرجال الذين اخلصوا لمشايخهم وأمرائهم، حتى وإن كانوا على خلاف مع الملك نفسه، وضرب لذلك مثلاً ب"رشيد الناصر بن ليلى"، فقال: كان وكيلاً لابن رشيد، ووسيطه مع الترك العثمانيين، وكان يتسلم من الأتراك السلاح، والعتاد، والمال، ويبعث لابن رشيد بها لتساعده في حربه ضد الملك عبدالعزيز، وعندما تمكن منه الملك عبدالعزيز بعد القضاء على "ابن رشيد" قال له عبدالعزيز: بماذا أعاقبك؟ فقال له الشيخ "رشيد بن ليلى" بوضوح وصراحة: بما تهوى، وما أنا بنادم على ما فعلت مع ابن رشيد، قال له عبدالعزيز: لقد أخلصت في خدمة صاحبك، وإني أرى فيك غريزة الإخلاص، فعد إلى دمشق وأنت وكيلي هناك، فكان ممثلاً لعبدالعزيز في سورية إلى نهاية حياته -رحمه الله-. الباشا ابن ليلى وذكر الأستاذ "محمد بن عبد الرزاق القشعمي" أنّ من صفات "ابن ليلى" الغضب في الحق وصلابة الإيمان، ثم تناول أعماله ووظائفه وقسمها إلى فترتين: في عمله مع الأمير عبدالعزيز بن رشيد، والفترة الثانية في عمله مع الملك عبدالعزيز آل سعود، وكان ممثلاً لابن رشيد في اسطنبول وتوريده السلاح لابن رشيد، ثم لقائه مع الملك عبدالعزيز، وتعيينه في مجلس الشورى السعودي، ثم تعيينه قنصلاً للملكة في العراق، ثم في دمشق، ثم عرج على مصادر ذكرته، وما أورده الأرشيف الإنجليزي عن الباشا بن ليلي، كما استعرض نبذة عن تاريخ أولاده وأحفاده. معركة الألف والدال ما يزال الجدل حول أسبقية الحصول على شهادة الدكتوراه، وتحديد أول من حصل عليها في العهد السعودي قائماً بين عدد من الباحثين، ففي الوقت الذي شاع فيه بين كثير من القراء والمتابعين أنّ معالي الوزير عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- هو أول الحاصلين على الشهادة العليا عام 1380ه.بيّن "محمد بن عبد الرزاق القشعمي" -باحث ومؤرخ- في مقال له، أنّ الأديب عبد الكريم الجهيمان -رحمه الله-، ذكر أسبقية الخويطر بالحصول على هذه الشهادة في مقال له في صحيفة القصيم، ذات العدد (55) وتاريخ التاسع من رجب عام 1380ه، بيد أنّه ما لبث أن عاد ليصحح ذلك في ذات الصحيفة، بعددها رقم (58) الصادر في الثلاثين من رجب في العام نفسه، وذلك في زاويته الشهيرة "المعتدل والمايل"، حيث أوضح أنّه تلقى اتصالاً من الأستاذ فهد العريفي -رحمه الله-، يخبره فيه أنّ أول من حصل على شهادة الدكتوراة في العهد السعودي هو "محمد بن رشيد"، وهو الابن الثاني ل"رشيد بن ليلى" -رحمه الله-، وذلك في عام 1356ه، بتخصص العلوم السياسية، حيث نشرت صحيفة "صوت الحجاز" في عددها رقم (528) الصادر في يوم الأحد الثاني من ذي القعدة عام 1359ه، خبر حصول "محمد بن رشيد بن ليلى" على درجة الدكتوراه، كما نشر في صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر في 28 من رمضان عام 1359ه تحت عنوان "نجاح طالب سعودي"، خبر اجتياز "محمد الرشيد" نجل "رشيد باشا" قنصل المملكة العربية السعودية في دمشق امتحان الدكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية بنجاح باهر، في جامعة لوزان على نفقة الملك عبدالعزيز. وأضاف أنّ صحيفة "صوت الحجاز" في عددها السابع عشر الصادر في السابع والعشرين من ربيع الأول عام 1351ه قد ذكرت في خبر لها عن نجاح الشاب الأديب السيد "محمد شطا" بشهادة الدكتوراة في التربية والآداب نقلاً عن إحدى الصحف المصرية أيضاً. في حين أوضح "د.زهير جميل كتبي" أنّ سماحة العلامة "إبراهيم بن يوسف بن غلاب خان" كان من أوائل من حصلوا على أعلى درجتين علميتين، حيث كان في طليعة البعثة السعودية الأولى. وفاته توفي القنصل رشيد بن ناصر بن ليلى -رحمه الله- تعالى عن عمر يناهز (80) عاماً بدمشق عام 1362ه (1943م) ودفن بمقبرة الباب الصغير التي دفن فيها عدد كبير من علماء الإسلام في القرنين السابع والثامن الهجري، وذلك بعد حياة طويلة في خدمة قضايا بلاده وأمته -رحمه الله- رحمة واسعة.