المجموعة المتطرفة التي سكبت (الأسيد) على وجه عدد من الحسناوات في أصفهان الإيرانية، لا يمثل تلك المجموعة فحسب، وإنما هو سلوك (كل متطرف) في أصقاع المعمورة يؤكد أن التطرف ملة واحدة لا يختلف بعضها عن بعض. فالمتطرف الذي يشتم ويسب ويلعن هو نفسه الذي يسكب الأسيد أو يقتل، الفرق بينهم في الدرجة فقط, وإلا فإنهم واحد وملتهم واحدة وأفقهم واحد، والمتطرف في أصفهان هو نفسه المتطرف في اليمن والشام والخليج والمغرب، لا دين، لا عقل، لا منطق، لا حب، لا سلام. المتطرف الذي يمزق الكتب في معرض الكتاب، هو ذاته في القاهرة الذي يوهم الناس أنه مقتول في أحداث رابعة العدوية، وهو ذاته في اليمن الذي يقتحم صنعاء وينصب الخيام بها، وهو ذاته في ليبيا الذي يفجر آبار النفط، وهو ذاته في العراق الذي يبيع النساء، وهو ذاته في أفغانستان الذي حطم التماثيل التاريخية التي تمثل ذاكرة العالم، وهو ذاته الذي يغير اتجاه البوصلة من مقاومة إسرائيل إلى قتل السوريين. يتصف المتطرفون بأنهم غير قادرين على حل المشكلات الاجتماعية أو مناقشتها أو فهمها، بطرق تكفل للجميع حقوقهم، وبخلاف ذلك فهم يوغلون في حلول (عنيفة) يرون أنها الحق، وأنها كفيلة بإنهاء المشكلات، وأنهم الصواب وغيرهم الخطأ، بصورة حدية يا أبيض يا أسود. المتطرف أيا كان، يرفض أن تسود أفكار أخرى في أرضه، ويعدها تهديدا له، وزعزعه لمكانته، وهزا لكرسيه، وصب الأسيد على جميلات أصفهان، يأتي في هذا المضمار، فوجودهن بصورتهن اللاتي ظهرن عليها إعلاميا، يعني تهديدا للمتطرفين وسحب البساط من تحت أقدامهم، هذا هو السبب (العميق) الذي يبدو كنسق خفي يؤكده الشروع العنيف بالحرق أكثر مما يقوله التصريح المعلن في كونهن لم يلتزمن بالحجاب، ولو لم يكن الأمر (صراع كراسي حاد)، لما أقدم المتطرفون على هذا الفعل الذي ترفضه كل الأديان، ولظهر في الأفق حلول توفيقية بين الطرفين تكفل لكل حقه وافيا لا نقصان فيه ولا تطفيف. وكذلك الذي يمزق الكتب في معرض الكتاب، يفعل ذلك خوفا من الكتب العالمية التي ستسحب البساط من كتبه الصفراء التي ألفها الفقهاء، فبدلا من أن يكون هو الذي (يملي) الأمالي، ينافسه آخرون في الإملاء، وهذا سبب خفي غير معلن وفقا لنظرية النسق التي يعكسها السلوك العنيف، حيث يظهر في لحظات العمى الثقافي التي بسط فيها د. عبد الله الغذامي القول في كتابه النقد الثقافي.