دول مجلس التعاون منطقة «جاذبة» للأطماع السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، فالموقع المميز، الرابط بين القارات والبحار، والمكانة الدينية والثقافية، والازدهار الاقتصادي وتراكم الثروة ومستودع الطاقة الطبيعي (النفط)، كلها عوامل وضعت هذه المنطقة في «الحزام الأحمر» فقد ظلت، ومنذ قيام الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، في بؤرة الأحداث الساخنة وشهدت حروب الأطماع والتوسع والرغبة في الهيمنة واستنزاف الثروات حين تداعى أصحاب المطامع من الدول الإقليمية والعالمية للصراع حول النفوذ بها.. وهذا الواقع فتح أسئلة متشعبة في مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار، فهناك من يرى أن المنطقة تتعرض لمؤامرة خارجية وبالتالي يتساءل: من يتآمر على الخليج؟ وهناك من يسأل: هل ما تتعرض له دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي من تحديات هو مؤامرة خارجية أم هو نتائج للتخطيط المدروس من أصحاب المصالح والنفوذ الذين يرون في المنطقة مغانم ؟ أم أن ما تتعرض له المنطقة هو نتاج تفريط بعض أهلها وغياب الخطط والوسائل القادرة على حماية المكتسبات وصد الأطماع مع عدم الإدراك لأهمية العمل المشترك وما يوفره من قوة. هذه الأسئلة وغيرها مطروحة على طاولات النقاش في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام ودوائر الاستراتيجية الدولية والإقليمية.. ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات في أصل المشكلة وزاوية الرؤية وتحليل الأسباب وتوصيف العلاج.. وهذه الإطلالة المختصرة على القضية المتشعبة تهدف إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون بعد أن افترضنا أن هناك مؤامرة تحاك ضد المنطقة وأن هذه المؤامرة أوجدت تحديات خارجية وداخلية. وكان من الطبيعي أن تكون الإطلالة من خلال رؤية أبناء المنطقة المهتمين بهذا النوع من القضايا. وفي هذا السياق يشير الأمير عبدالعزيز بن سلمان مساعد وزير البترول (في مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية الذي نظمه معهد الدراسات الدبلوماسية في سبتمبر الماضي) إلى أن قوة اقتصادات دول المنطقة أدت إلى احتلالها مكانة أكبر على الساحة الدولية، وبوجود أكثر من 10 صناديق سيادية، يبلغ إجمالي أصولها 1.7 تريليون دولار تحت إدارتها، أصبحت معه دول مجلس التعاون الخليجي من كبار الممولين الماليين في العالم، في وقت تعاني فيه العديد من دول العالم من العجز وتراكم الديون وقد وفرت هذه الاحتياطيات الكبيرة من العملة الأجنبية والأصول ملاءة مالية مهمة ضد الضعف الطارئ في الأسواق البترولية. كما تؤدي دول مجلس التعاون الخليجي دورا أساسيا من الناحيتين السياسية والاقتصادية بالنسبة لبقية دول الشرق الأوسط، فخلال السنوات القليلة الماضية، قامت دول مجلس التعاون بأداء دور رئيس في المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة. وعندما فرضت الحكومات الغربية إجراءات تقشف، وأعادت رسم سياساتها الخارجية، تاركة فراغا كبيرا في المنطقة، كثفت دول مجلس التعاون مبادراتها السياسية، وزادت مساعداتها الاقتصادية ودعمها المالي لشركائها الاستراتيجيين المتضررين في المنطقة، إلا أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تدرك محدودية إمكانياتها، أخذا في الاعتبار التحديات الماثلة أمامها، وتقدر أن أي جهد ناجح لاستقرار المنطقة، ينبغي أن يكون ضمن تعاونٍ دولي واسع. المهددات ومن المهددات والتحديات التي تواجه دول المجلس تراخي المجتمع الدولي في حل الأزمة السورية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، إلى جانب الأوضاع في العراق حيث إذكاء روح الطائفية والتبعية لإيران وهي أمور تهدد وحدة وأمن واستقرار هذا البلد، والنيران المشتعلة الآن في اليمن خطر يزيد من مشاكل المنطقة والتحديات التي تواجهها. ويأتي الإسلام السياسي، في أشكاله المتعددة ليشكل التحدي الكبير الذي تتطلب مواجهته منظومة متكاملة من الاستعدادات العسكرية والخطط الأمنية والبرامج الاقتصادية والسياسية والإعلامية والمناهج التربوية والمعالجات السياسية، ويلخص الدكتور عبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية رؤيته للتحديات التي تواجه دول المجلس: في الصراعات السياسية والطائفية والتهديدات الإرهابية والهجرات غير المشروعة. ويرى أن أحداث السنوات الثلاث الأخيرة في بعض الدول المجاورة تفرض على دول المجلس عدم تجاهلها لأن بعض هذه المناطق الملتهبة توشك على الدخول في حروب أهلية تهددها بالتقسيم الأمر الذي يشكل تهديدا للجوار. ويرى أنه بالرغم من أن دول مجلس التعاون تنعم بالاستقرار إلا أن ما يحيطها من واقع مضطرب يفرض عليها الاستعداد لمواجهتهم.. الأمر الذي يقتضي تعاونا وثيقا بين دول المجلس وبين الدول والمجموعات الفاعلة في الساحة الدولية». ويرى أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنه من الضروري أن يتجاوز الخليج العربي الخلافات، ولا يضيع الوقت في المماحكات السياسية وذلك من أجل مصلحة الخليج والإقليم العربي والعالمي، وأن مجلس التعاون أثبت من خلال نهجه الثابت، قدرته على التصدي للتحديات التي تواجهنا. وقدرة دوله على الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ الأمنية. ليست هناك مؤامرة أما الدكتور عبدالخالق عبدالله، أستاذ الشعلوم السياسية من الإمارات فلا يرى أن هناك مؤامرة على الخليج لأن نظرية المؤامرة لا تساعد على فهم الأشياء على حقيقتها، وقد تقود إلى استنتاجات بعيدة عن لب المشكلة. وإذا استبعدنا الارتهان إلى هذه النظرية يمكننا أن نفهم أن دول الخليج العربي تعيش وسط أجواء مضطربة غير مستقرة وهي «منطقة حمراء» على مدار العام وتستقطب أطماع الكثيرين لوجود المصالح الضخمة، فهذه المنطقة مصدر الطاقة النفطية وذات موقع استراتيجي يجذب كل أصحاب النفوذ.. ولكونها وسط هذه الأجواء ربما يعتقد البعض أنها تتعرض لمؤامرة للاستغلال والاستيلاء على ثرواتها والتحكم في قراراتها ومصالحها. ومع أنها موضع أطماع الكثيرين وتعيش في ظروف مضطربة ووسط محيط ملتهب فهي الأكثر استقرارا وازدهارا.. وأكدت هذه الدول، خلال خمسين عاما، مقدرة فائقة على التصدي للتحديات والتعامل مع الأحداث الخطرة، مثل ما يسمى بالربيع العربي وقبله الثورة الإيرانية وقبل كل ذلك موجة المد القومي الناصري في الستينيات، فسجل هذا الدول يبرهن على قدرة فائقة على التكيف مع الأحداث ولهذا لا خوف من أي مؤامرات إذا كان أهل المنطقة يدركون ما يجري من حولهم ويتفاعلون.. وإذا كانت برهنت على نجاحها في الأحداث الماضية فهذا لا يغيب حقيقة أنها تواجه تحديات خارجية وداخلية. ومن أبرزها أنها تعيش بالقرب من دول توسعية (إيران) ودول غير مستقرة (اليمن والعراق) كما تعيش في منطقة متوترة مليئة بالحروب وأصبحت بؤرة للتطرف الذي تجاوز الأفكار إلى الفعل المدمر كالمجموعات المتطرفة (داعش والنصرة وأنصار الله).. وإذا كانت دول المجلس نجحت، إلى حد كبير، في التصدي للتحديات وترتيب أوضاعها بما يضمن أمنها واستقرارها فإنها أيضا تواجه تحديات داخلية تتطلب خططا استراتيجية. ومن أبرز التحديات الداخلية وإن كانت بدرجات متفاوتة، قلة السكان، وهي قضية إذا لم تعالج فقد تصبح إحدى مهددات الأمن والاستقرار في المنطقة، إلى جانب ضرورة المضي في الإصلاح السياسي المؤدي إلى توسيع المشاركة الشعبية وبناء المؤسسات لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين أحوال الناس المعيشية.