أكد الجيش اللبناني أمس إصراره على إحباط أي مخطط لإقامة إمارات متطرفة على أراضيه، فيما كانت السلطة السياسية تتوحد خلفه، مقدمة له الدعم الكامل في مهمته، كما شدد مصدر بارز في تيار «المستقبل» الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لـ«الشرق الأوسط». وقال المصدر إن الحريري كان حازما في تأمين الغطاء السياسي للجيش في مناطق حضوره الشعبي، معتبرا أن الحريري لا يؤمن بأن «خطأين يولدان صوابا»، في إشارة إلى ما يقال من أن تسلح المتشددين السنة رد على تسلح «حزب الله» وتورطه في سوريا. وأكد مصدر عسكري لبناني لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش «كسر شوكة» مشروع الإمارة المتطرفة التي كانت المجموعات المتشددة تحضر له في شمال البلاد، مشددا على أن مدينة طرابلس، ثاني كبرى المدن اللبنانية، والتي كانت الحجر الأساس في مخطط «داعش» للوصول إلى البحر، «أصبحت نظيفة» من الإرهابيين، فيما تجري عملية تنظيف المناطق الشمالية على قدم وساق. وأوضح المصدر أن عملية متابعة دقيقة تتم للقبض على زعيم مجموعة المتشددين خالد حبلص، متوقعا أن تثمر في وقت غير بعيد. وروى المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن عملية توقيف أحد قادة «جبهة النصرة»، عماد جمعة في أغسطس (آب) الماضي، كشفت عن أن جمعة الذي بايع «داعش» هو جزء من مخطط اعترف به، يقضي بالسيطرة على المنطقة التي تربط القلمون (في سوريا) بالبحر لتأمين ممر بحري لإمارة كان المتشددون ينوون إعلانها. وأشار إلى أن تصدي الجيش اللبناني للمسلحين، وحصرهم في جرود بلدة بريتال جعلهم يفكرون بالخطة «ب» التي تقضي بالانطلاق من البحر للوصول إلى القلمون. وأشار المصدر إلى أن اعترافات الموقوف الجديد أحمد الميقاتي أظهرت تفاصيل هذه الخطة التي تقضي بالسيطرة على مدينة طرابلس بوصفها هدفا استراتيجيا، بما أن المدينة تختلف عن وضع بلدة عرسال المضطربة التي يمكن للجيش حصر مداخلها، ومداخل جرودها، فيما أن طرابلس يمكن أن تشكل قاعدة أساسية في حال سقوطها بأيديهم، خصوصا أنها مدينة بحرية قد تكون مثالية لاستقدام السلاح والمقاتلين عبرها. وكشف المصدر عن أن المتهم الميقاتي اعترف بأنه كان على تواصل مع عدة شخصيات تشكل عصب مشروع «الإمارة» بينهم الشيخ كمال البستاني، والشيخ خالد حبلص الذي تزعم مجموعة بحنين التي قاتلت الجيش في عكار. غير أن اللافت كان أن من بين أعضاء مجموعة العمل هذه موقوفان في سجن رومية كان يتم التواصل معهما هاتفيا وعبر الرسائل، هما فايز عثمان وغسان الصليبي. واعترف ميقاتي – كما أكد المصدر – أنه خبير متفجرات، وأنه أجرى تفجيرات تجريبية في وقت سابق في منطقة زغرتا. ورجح مصدر منفصل أن خطة المتشددين كانت تقضي بإسقاط طرابلس، على غرار السيناريو الذي حصل في مدينة الموصل العراقية، باعتبار أن المدينتين متشابهتان من حيث وجود خروقات أمنية وخلايا نائمة قبل أن يتداعي الأمن نهائيا في الموصل ويسيطر عليها التنظيم، ثم يتمدد «داعش» بعد السيطرة على طرابلس في بقية القرى والبلدات المجاورة التي ينظر إليها على أنها مناطق رخوة يسهل السيطرة عليها، وصولا إلى القلمون، ليعلن لاحقا إمارته الإسلامية. وكشفت التحقيقات مع ميقاتي أنه «كان يسعى لاحتلال قرى بصعون وعاصون وسير الضنية وبقاعصفرين (شمال لبنان) كونها غير ممسوكة أمنيا تمهيدا لإعلانها ملاذا آمنا للمسلحين»، كما أفادت معلومات عسكرية، موضحة أن «المرحلة الأولى من المخطط كانت تقضي بالقيام بأعمال أمنية بطرابلس بهدف ربط القلمون السورية بالساحل اللبناني»، مشيرة إلى أن «شادي المولوي وأسامة منصور (قائدا معركة طرابلس) كانا يعلمان به، وكان من المفترض البدء بتنفيذه بعد نحو شهر». ولكن المصادر تستغرب «التعايش» بين تنظيمي «داعش» و«النصرة» اللذين يتقاتلان في كل مكان، ويعملان معا في لبنان. وأشارت إلى أن ميقاتي كان يريد رفع راية «داعش»، لكن من انتصر له كانت «جبهة النصرة» التي هددت بقتل العسكريين المخطوفين إذا استمرت العملية العسكرية للجيش. واندلعت معارك طرابلس مساء الجمعة الماضي، بعد أقل من 48 ساعة على اعتقال المتشدد أحمد سليم ميقاتي بعد عملية أمنية نوعية نفذها الجيش، في بلدة عاصون، في منطقة الضنية الجبلية، ضد خلية إرهابية بقيادته، قتل خلالها 3 أشخاص بينهم جندي منشق وألقي القبض على ميقاتي الذي كانت قيادة الجيش أعلنت أنه بايع تنظيم داعش أخيرا. وكانت مصادر عسكرية أكدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» نشرت أمس، أن الجيش «أحبط مخططا لهز استقرار لبنان»، وذلك من خلال العملية التي نفذها في الشمال. وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي، حذر في تصريحات أدلى بها لصحيفة «لو فيغارو» الفرنسية قبل أسبوعين، من وجود خلايا نائمة لـ«داعش» في طرابلس وعكار (شمال البلاد) تسعى لإقامة ممر آمن إلى البحر، «وهو ما لم يتوافر للتنظيم حتى الآن، لا في سوريا ولا في العراق». سياسيا، أكد رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أن الوضع في طرابلس بات في نهاياته، وأن الجيش قطع شوطا كبيرا في فرض الأمن والاستقرار في المدينة. وقال سلام في لقاء مع الإعلاميين على الطائرة التي أقلته إلى برلين للمشاركة في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان وفي مؤتمر برلين حول وضع اللاجئين السوريين، إن «الوضع في طرابلس أصبح في نهايته، والقرار اتخذ، وهو الحسم مع الإرهاب والإرهابيين. ولا يمكن الرضوخ والرجوع إلى الوراء في هذا الموضوع»، لافتا إلى أن «هناك تصميما على فرض الأمن والاستقرار على الجميع، ولا بد من تسجيل الموقف الشعبي الحاضن للجيش وقوى الأمن، والموحد وراء هذه الجهود»، مؤكدا أن «المواجهة العسكرية فرضت علينا من قبل الإرهابيين، لكن المواجهة الوطنية كانت خيارا، وهي التي أعطت فرصة للجيش وقوى الأمن لخوض هذا التحدي الكبير والنجاح فيه»، مشيرا إلى أن «الكلفة ليست بسيطة، وهناك شهداء أعزاء ومواطنون أبرياء وخسائر في الممتلكات.. وغيرها. ولكن وحدة الصف الوطني تبقى ملاذنا». وردا على سؤال، شدد على أنه «لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما يخطط له الإرهاب، لكن أعتقد أننا قطعنا شوطا كبيرا في فرض الأمن والاستقرار في طرابلس وفي الشمال وفي كل لبنان، ونأمل أن تتكثف الجهود من جميع القوى السياسية بداية، ومن الدولة مدعومة من هذه القوى، لإنهاء حالة الفوضى والتطاول على الجيش والقوى الأمنية». ورأى رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، أن «الجيش اللبناني يقدم مرة جديدة تضحيات جسيمة في إطار مهمته لحماية الاستقرار والسلم الأهلي، فله في ذلك الدعم والتأييد الكامل لتثبيت هيبة الدولة والشرعية في مدينة طرابلس والشمال وسائر المناطق اللبنانية»، لافتا إلى أن «الجيش اللبناني يؤكد أنه منحاز فقط لحماية اللبنانيين ولإعادة الطمأنينة إليهم، وقد بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذا الهدف في عبرا وعرسال وبريتال وطرابلس ومواقع أخرى». واعتبر أنه «لا بد من الترحيب بالجو الشعبي العارم المؤيد للجيش اللبناني في ما يقوم به، وهو ما يعكس وعي اللبنانيين بأهمية الدور الذي تؤديه المؤسسة العسكرية في هذه اللحظة المفصلية والحساسة. والتحية، كل التحية، لشهداء الجيش الذين يسطرون بدمائهم بطولات لحماية لبنان وحفظه من المخاطر الداهمة على أكثر من صعيد. والتحية موصولة كذلك لأهالي الشهداء الذين يصبرون على جراحهم ويتعالون عليها ويؤكدون تمسكهم بالدولة والجيش رغم جسامة الخسائر التي يتكبدونها».