تكشف التطورات الميدانية للحرب في سوريا عن تصاعد في الحرب المزدوجة التي يشنها نظام الأسد من جهة، وجماعات التطرف من جهة أخرى، على السوريين، فيما يتابع التحالف الدولي عمليات القصف الجوي والصاروخي في إطار الحرب على الإرهاب وجماعاته، وجميعها مؤشرات على تدهور متزايد في الوضع السوري، ولا سيما في الجانبين السياسي والأمني وتداعياتهما الاجتماعية والمعيشية، التي تؤدي إلى مزيد من القتلى والجرحى والمهجرين والتدمير. وتتركز هجمات قوات النظام ضد قوات المعارضة المسلحة وعلى المناطق السكنية في 4 جبهات أساسية؛ جبهة الجنوب في درعا والقنيطرة، وجبهة ريف دمشق، وجبهة الوسط السوري في حمص وحماه، وجبهة الشمال التي تتركز في حلب ومحيطها القريب، وتندرج الأهداف العامة لهذه الهجمات في إطار استراتيجية نظام الأسد الأمنية والعسكرية، وهي استنزاف قوات المعارضة المسلحة، وتدمير المناطق الخارجة عن سيطرته، وإلحاق أكبر الخسائر بسكانها، تمهيدا للسيطرة عليها سياسيا. وبخلاف الأهداف العامة لهجمات النظام على الجبهات الـ4، فإن ثمة أهدافا تتعلق بالهجمات على كل جبهة، فالهدف الخاص لهجمات جبهة الجنوب يتركز في أمرين اثنين؛ أولهما إحباط مساعي تشكيلات المعارضة للتمدد باتجاه معبر نصيب مع الأردن، ومنع تمددها باتجاه المناطق المحاصرة في ريف دمشق الجنوبي والغربي، الأمر الذي يهدد النواة الأمنية العسكرية الصلبة للنظام في دمشق، فيما الهدف الخاص للهجمات في ريف دمشق يتمثل في إعادة سيطرة النظام على مدن وقرى الغوطة، وإحكام القبضة على القلمون، مما سيوسع حيز السيطرة حول دمشق، ويجعل قلب النظام بعيدا عن التهديدات التي يمثلها وجود تشكيلات المعارضة العسكرية في الغوطة والقلمون. ولا يخرج الهدف الخاص لهجمات النظام في الوسط، ولا سيما على جبهة حماه في مورك ومحيطها، عن رغبة انتقامية للنظام لخسائره في المنطقة بعد أن سيطرت قوات المعارضة عليها، وطردت قوات النظام منها، وأمنت الطريق بين المنطقة الوسطى والشمال باتجاه إدلب وحلب، حيث هجمات النظام هدفها إعادة السيطرة على حلب من جهة، وإشغال قوات المعارضة فيها عن المشاركة في القتال ضد «داعش» بشكل خاص بعد اندلاع المعارك في عين العرب - كوباني، حيث يستمر هجوم ميليشيات «داعش» منذ أسابيع. أما الشق الآخر في الحرب المضادة المشتعلة في سوريا، فتمثله الهجمات التي يقوم بها تنظيم داعش، والتي يبدو أبرز فصولها في الهجوم على عين العرب - كوباني، دون أن يكون الوحيد. ففي وسط صمت تجري هجمات أخرى تقوم بها «داعش» في ريف حلب الشرقي لتدمير قوى المعارضة المسلحة هناك، واستعادة السيطرة على مناطق طردت «داعش» منها في الأشهر الأولى من العام الحالي، وبالتزامن مع الهجمات المسلحة للتنظيم، تتواصل محاولات تمدده الدعوي والسياسي في مناطق كثيرة، ومنها ريف دمشق والمنطقة الجنوبية، حيث تتشكل تنظيمات مسلحة صغيرة وخلايا نائمة لـ«داعش». وسط تلك الحرب المضادة بما تتركه من نتائج كارثية على أكثر من صعيد ومستوى على السوريين، تبدو هجمات التحالف الدولي، وسياسات التحالف الدولي بشأن الحرب على الإرهاب محدودة الأثر، بل يمكن القول إن أثرها سلبي بصورة عامة، ليس لأنها لا تستهدف النظام وقواته، وهو هدف كان ينبغي أن يكون في جملة أهدافها، بل لأن القوى والتشكيلات العسكرية التي تقاوم النظام وجماعات التطرف، لا يتم التنسيق معها ولا دعمها بصورة حقيقية في المستويين السياسي والعسكري. ففي المستوى السياسي ما زال النظام خارج معادلة الحرب على الإرهاب، فيما توالت تصريحات أميركية ركزت على أن الهدف الرئيس للعمليات ضد «داعش» هو الدفاع عن المناطق التي يهاجمها الأخير، وليس الهجوم على مناطق سيطرته وتحريرها من سيطرة التطرف والإرهاب. وفي المستوى العسكري، لم يقدم للتشكيلات المعارضة العربية والكردية مساعدات من شأنها التأثير على سير المعارك، والمثال الأبرز على ذلك معركة عين العرب - كوباني، بل إن قوات التحالف قصرت في توجيه ضربات عسكرية لميليشيات «داعش» على هذه الجبهة، رغم سهولة القيام بمثل هذا الإجراء. خلاصة الأمر أن الحرب الجارية حاليا في سوريا لن تؤدي إلى تغييرات جوهرية في موازين القوى القائمة، بحيث يتعزز المعسكر المضاد للإرهاب المزدوج، للوقوف ضد النظام وجماعات الإرهاب والتطرف، ويتم عمليا إضعاف متزايد لمناهضي الإرهاب من الناحيتين السياسية والعسكرية. وإذا كان الهدف، كما يقال في العلن، محاربة الإرهاب والتطرف، فالمطلوب إعادة النظر فيما يتم اعتماده من سياسيات، وما يجري القيام به من خطوات، المطلوب فعلا أن تشمل الحرب ضد الإرهاب حربا على النظام، وأن يتم تقديم دعم حقيقي وفعال للقوى المناهضة للإرهاب، سواء في قتالها ضد ميليشيات «داعش» وأخواتها، أو في قتالها ضد قوات نظام الأسد.