عندما زرت جزر فرسان بمنطقة جازان قبل عدة سنوات وقمت خلالها بجولة في جزيرتي فرسان كبير وفرسان صغير لاحظت قطعاناً من الغزلان وهي تسرح وتمرح بكل اطمئنان في السهول الممتدة على شواطئ البحر الأحمر مما أضفى على المنظر الطبيعي رونقاً وجمالاً. فمياه البحر صافية ونقية ولم تدنسها مياه الصرف الصحي كما هو موجود في بعض المدن، وشواطئها ممتدة، وجزرها كثيرة ومتعددة، وتغطي سواحلها نباتات الشورى - وهي أشجار ساحلية قد يصل ارتفاعها في بعض المناطق لثلاثة أمتار - مما أكسب هذه الجزر جمالاً مضافاً إلى جمالها الطبيعي، أضف إلى ذلك مكونات جمالية أخرى منها الطيور المهاجرة المتنوعة الأطياف، التي تأتي فرسان من أصقاع بعيدة، وكذلك الأسماك الموسمية وأشهرها الحريد الذي يحتفل بقدومه أهل الجزيرة في أواخر شهر مارس وبداية شهر إبريل من كل عام. هذا التنوع الأحيائي الجميل لم يكن ليتوافر لولا وضع الجزر بكاملها كمواقع محمية ، يعزز ذلك التزام أهلها بهذه الكائنات الجميلة التي تجمّل جزرهم، مع حرصهم على عدم التعرض لها بأي شكل من الأشكال خاصة البرية منها، أما البحرية فهو موسم التكاثر والهجرة لأسماك الحريد التي تأتي من جنوب المملكة وتزود المنطقة بكميات هائلة من الأسماك، وقد حرص سكان فرسان أن يحافظوا على مكونات بيئتهم الطبيعية لأنهم يعلمون بأنها جزء من مورثهم الحضاري، وإنها أحد عناصر الجذب السياحي في المنطقة، وأن ( الفرساني) قد ألِف أن يراها كل يوم في غدوه ورواحه فأصبح هناك عشق بينه وبين بيئته المحيطة بجميع مكوناتها طبيعية وغير طبيعية، وأصبح هو الرقيب الأول في الحفاظ على مكوناتها من عبث العابثين. الذي نطمح في الوصول إليه هو أن يستشعر سكان كل منطقة من مواطنين ومقيمين بأن بيئتهم المحيطة غنية بالكائنات الحية التي تحتاج إلى عناية ورعاية من تطاول العابثين عليها، أو المصرّين على استنزاف مواردها الطبيعية سواء كان بالصيد الجائر، أو تعريضها للتلوث بأنواعه، أو بسوء استخدامها مما يؤدي إلى اضمحلالها وهلاكها. إن التنوع الأحيائي في البحر الأحمر قلما يوجد له مثيل في كثير من بحار العالم، حيث يوجد به أكثر من (1280) نوعاً من الأسماك، مقابل (540) نوعاً في الخليج العربي ، و (44) نوعاً من أسماك القرش ، و(180) نوعاً من الأسماك ذات القيمة التجارية، وهناك ثلاث مجموعات مهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر لها وهي: أسماك الناجل، والطرادي، والهامور، وأسماك القرش،وذلك بسبب زيادة الطلب عليها، ولسوء استخدام وسائل وأدوات الصيد من قبل بعض العمالة الوافدة مثل: استخدام شباك صيد ذات عيون صغيرة جدا - محرمة دولياً - والتي تجرف كميات كبيرة من الأسماك الصغيرة غير الصالحة للاستخدام الآدمي، وتباع لاستخدامها كأعلاف للماشية وهذه جريمة بحد ذاتها في حق مصادرنا الطبيعية، واستنزافها، والقضاء عليها بطرق غير مشروعة من أجل الكسب المادي الرخيص. إن من واجب الدولة ممثلة في الجهات ذات العلاقة في الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية والكائنات الحية في داخل البحر وخارجه، أن تضع القوانين الصارمة لكل من يتجاوز حدود الصيد، ويتخطى الأنظمة التي وضعتها الدولة، وأن تفعّل العقوبات من غرامات مالية، ومصادرة للوسائط البحرية، أو حتى الإبعاد عن البلاد، لكل من لا يحترم قوانين هذه الدولة، أو يتجاوز حدود التعامل المنضبط في حق بيئتها الطبيعية، أو يلحق الضرر بمكوناتها، أو يخل بتوازنها الطبيعي بقصد أو بغير قصد. كما نطالب بالتوعية والتثقيف لعموم المستفيدين من البيئة المحيطة، وذلك عن طريق التوجيه عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي المدارس والجامعات، حتى يعلم الجميع بأن الحفاظ على البيئة هو مطلب ديني ووطني وحق إنساني في حق البيئة التي حَبَانا الله اياها، حيث نأكل ونشرب منها، وتزودنا بالطاقة، وبمنافع كثيرة لا حصر لها، وليعلم الجميع بأن هناك جزاءات رادعة لكل من يتجاوز الحدود المسموح بها في الصيد أو خلافه، وأن ليس هناك تهاون في تطبيق النظام لكل مستهتر بمدخراتنا الطبيعية. لا بد من تضافر الجهود بالتنسيق بين القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات العاملة بالمملكة ذات العلاقة بحماية البيئة السعودية ( نباتية وحيوانية، حية وغير حية) للتصدي بقوة القانون لكل مسيء لهذه البيئة، والعمل لإيقاف هذا النزف الدامي للحياة الفطرية ولثرواتنا الطبيعية، حتى نحقق مفهوم التنمية المستدامة، وحتى تخدم ثرواتنا أجيالنا القادمة لسنوات طويلة بإذن الله وإلى أن يشاء الله. mdoaan@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (37) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain