×
محافظة الجوف

شرطة القريات تطيح بشخص يتاجر بالعاملات المنزليات

صورة الخبر

ليس الأفراد وحدهم الذين يقتلون أنفسهم، فالجماعات والدول تفعل ذلك أيضا، إلا أن الفرق هو أن الأفراد يلجأون إلى الانتحار متى ضاقت بهم سبل الحياة ووجدوا أنفسهم في حال مزرية تجعل الحياة تبدو في أعينهم حقيرة بالغة الكراهية، فيبادرون إلى إزهاق أرواحهم بحثا عن الراحة، أما الدول أو الجماعات فإنها تقدم على قتل نفسها وهي لا تدري، تندفع إلى قتل نفسها وهي تظن أنها تندفع إلى الحياة. عالمنا العربي اليوم يمر بحالة انتحار قاسية بالغة المشقة تفتت أجزاء جسده من شماله إلى جنوبه، مظاهرات وشغب وتفجيرات وقصف ونحر أعناق وسبي نساء، تسيل أوديته بالدم وتمتلئ صحاريه بالجثث وتطفو على أنهاره الجماجم، تعددت فيه أشكال وأسماء الفرق المتناحرة كل منها يدعي أنه على الحق، والحق يعلن براءته من الجميع. هذه الحروب التي تنتشر في أجزاء بلادنا العربية، محنة عظيمة وكارثة بالغة الضر، فالحروب من طبيعتها الهدم والتدمير والتخريب، هي كما قيل عنها (تأكل الأخضر واليابس)، لا تعف عن شيء، ولا يفلت من أذاها أحد. وهي غالبا تسوق أمامها مسوغات أخلاقية تجعل لها شرعية وحقا في التدمير، فالحروب عندما تعلن عن نفسها تظهر متدثرة براية الحق والعدل، فهي إما أن تكون في زي القضاء على الطغيان وإحلال الديموقراطية، أو زي حماية الأمن القومي والقضاء على الإرهاب، أو زي دعم الحرية والقضاء على الاستبداد، أو زي إقامة العدل ونصرة الأقليات، أو غير ذلك من الأزياء المشروعة التي تجعل إيقاد الحرب يبدو ضرورة لا مفر منها. ومن السذاجة أن نتوقع حربا تعلن عن نفسها عارية بلا ثوب يغطي قبح حقيقتها. كالرغبة في التسيد والسيطرة واحتكار المصادر الاقتصادية والاستغلال التجاري وبناء الثروات. أقبح ما في الحروب أنها متى اندلعت التهمت كل ما حولها لا تعف عن شيء، فألسنة لهبها تطول وتمتد لتقضي على كل شيء فتحيل المدن العامرة المزدهرة إلى خراب يباب، تحول متاجرها المنتعشة إلى مخازن ذابلة، ومطاعمها وحدائقها وملاعبها التي اعتادت على الضجيج والمرح وتردد صدى الضحكات، إلى كهوف صامتة خالية إلا من رفيف أجنحة الغربان، ومدارسها المملوءة بالنور والحركة إلى سراديب يعمها الظلام والسكون، ومع ذلك هي لا تشبع، فتنتقل من تدمير العمران إلى تدمير الاقتصاد، يستنزف مال الدول ما بين إنفاق على القتال وانكماش في الدخل، أثناء الحرب تضطر المصانع إلى إغلاق أبوابها، وتبور المنتجات الزراعية في حقولها، ويهرب السياح بعيدا عن الدولة فلا يفكر أحد في زيارتها، وحينها تنشر البطالة والفقر ممهدة لتدمير الأخلاق. فالحرب كما تبرع في هدم الماديات فتقضي على المال والعمار والأرواح، تبرع في هدم المعنويات فتقضي على الأخلاق بفتحها الأبواب للانتهازيين والمرتزقة، فتزدهر أثناء الحرب تجارة السوق السوداء والرشوة والاختلاس وتسويق المحرمات وغياب العفة والتجسس والخيانة والغدر وغيرها من الرذائل. وكما تهدم الحرب الأخلاق تهدم أيضا الحقائق، فتنتعش الأكاذيب وتتصارع فيما بينها على الصدارة والسبق في الفضائيات وعلى الإنترنت وفوق صفحات الصحف، كل يدعي الحق والنبل والشرف والبطولة، وينسب إلى غيره النذالة والخسة والجريمة. أما في سجل الحقيقة، فإنك تكاد لا تجد أحدا أفضل من أحد عند اشتداد أوار الحرب.