لا أدري لماذا أثار لدي موضوع الأمس حول الدراسة التي أكدت أن "المشي" في الداخل أو في الهواء الطلق يعزز الإلهام الإبداعي، ومدرسة "المشاؤون" الأرسطوية التي اعتمدت المشي، قبل آلاف السنين، كأسلوب يحفز النقاش وهضم الأفكار واستيعابها، التفكير في مدرسة أخرى عُرفت في تاريخنا العربي الإسلامي وهي مدرسة أو فرقة "الحشاشون"، هي فرقة ثورية لعبت دوراً خطيراً في القرن الحادي عشر الميلادي وأحدثت من الفوضي والقتل والتدمير ما ضجت منه المجتمعات آنذاك لما يُقارب ثلاثة قرون! *** والحشاشون: طائفة إسماعيلية أسسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة الموت في فارس مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته. وقد تميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة. وقد دخلت كلمة "حشيش" Hashish، والحشاشين بأشكال مختلفة للكلمة مثل Assassini و Heyssissiniفي الاستخدام الأوروبي بمعنى القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى القاتل المحترف المأجور Assassin. *** وأشهر من كتب في هذه الفرقة هو برنارد لويس أحد أشهر المتخصصين في الدراسات التاريخية الشرق أوسطية، ويعتبر كتابه (الحشاشون) الذي ظهر في عام 1967 أشهر ما كُتب حول هذه الفرقة. فقد تتبع المؤلف في كتابه تاريخ فرقة الحشاشين الإسماعيلية منذ بداياتها الأولى إلى نهاياتها، وهي فرقة لعبت دوراً غريباً ليس بالقصير في تاريخ المنطقة ونسجت حولها الخرافات والروايات والأساطير التي حولتهم إلى مصدر رعب لكل من يسمع بهم. *** وكما يحدث اليوم ويروى حول "داعش" في إساءة استخدام الدين ببشاعة خدمة لمصالح جماعات وأفراد، كان يُنظر أيضاً للحشاشين باعتبارهم "اتحاداً من الدجالين استطاع تحت قناع من التشدد الديني والأخلاقي الإساءة إلى الدين والأخلاقيات". فقد استخدم هؤلاء بالأمس، ما تحاول داعش فعله اليوم من الاستخدام المنظم المدبر الطويل للرعب والدماء كسلاح سياسي. فقد كان الحشاشون، كما يقول حمد الله مصطفاوي - وهو من كتّاب القرن 14- "لا يضيعون دقيقة في سبيل إيذاء المسلمين بكل الطرق وكانوا يعتقدون أنهم يثابون على ذلك أعظم الثواب، وأنهم يرتكبون خطيئة كبرى إذا تورعوا عن القتل وإسقاط الضحايا"!! *** لقد استطاعت هذه الجماعة من سفاكي الدماء الذين سقط تحت نصال خناجرهم حكام دول، الاستمرار لمدة ثلاثة قرون، استطاعوا خلالها إشاعة الفوضى والقضاء على الأنظمة القائمة، والتعاون مع كل من يهيئ لهم الوصول لهذا الهدف الذي يتمثل عندهم في "خدمة الدين وإقامة الإمامة الحقة"! لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً ونهائياً إذ لم يتمكنوا من قلب النظام القائم بل ولم ينجحوا في السيطرة على مدينة كبيرة واحدة، وحتى ممتلكاتهم التي تحرسها القلاع لم تكن أكثر من إمارات صغيرة لم تلبث حين جاء الوقت أن اقتحمها الغزاة وأصبح أنصارهم مجرد جماعات صغيرة مسالمة من الفلاحين والتجار. #نافذة: [[إن تيار العنف الثوري الذي دفع الحشاشين للقيام بحركتهم استمر في التدفق، ولم تلبث مُثلهم ووسائلهم أن وجدت كثيرين من المقلدين، وهؤلاء المقلدون أمدتهم التغيرات الكبرى في عصرنا الحديث بأسباب جديدة للغضب، وأحلام جديدة تبحث عن التحقق، وأدوات جديدة للهجوم.]] برنارد لويس nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain