×
محافظة المنطقة الشرقية

الأسواق الخليجية هادئة خلال يوليو وأغسطس ومنتعشة في سبتمبر

صورة الخبر

أما العقلاء : فهم أصحاب الدراية ولديهم الموعظة , ومن صفاتهم البعد عن الانفعالات السريعة والغضب الجامح , لا يغضبون إلا في موطن الغضب , يستمعون للحق , ويسعون للحقيقة مهما كلفهم من جهد , ومهما يدفعون من ثمن أو يتعرضون للمشقة , وليس معنى ذلك أنَّ العقلاء لا يغضبون , بل إنهم يغضبون في مواطن مهمة في مسيرة حياتهم أو حياة مجتمعاتهم , لكن غضبهم محكوم موزون ؛ فهم يغضبون من الجاحدين والمراوغين والحاسدين , كما أنهم يغضبون لأعراضهم وأوطانهم ولانتهاكات كرامتهم أو ابتزازهم أو غمط حقهم , كما أنهم يغضبون لغمط حقوق الآخرين وإن بحثت عنهم تجدهم يحافظون ويحفظون حقوق الآخرين لديهم أينما وجدت هذه الحقوق كما لو كانت حقوقهم .. يحتكمون إلى العقل وموازين الشرع , لا يغفلون عن حقوق غيرهم . ومن صفاتهم أنهم يهتمون بمعرفة أنفسهم , ويتعظون من أخطائهم , فيتلافون العيب قبل انتقاد الآخرين لهم .. هؤلاء هم الذين يتعلمون من تجارب الحياة , ويستفيدون من العبر .. وكما قال الشاعر أبو تمام : إذا طَال عمرُ المرءِ في غَيرِ آفةٍ أفادت له الأيام في كرِّها عقْلاً إنهم لا يُحمِّلون أنفسهم ما لايطيقون , ولا يتباهون بما يملكون , فإنهم للأصحاب أخلاء , ولا يتنكرون لأصحاب الفضل عليهم , وكما قال حكيم : إن الكِرامَ إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهُم في المنزل الخشِن هؤلاء لن تجد صعوبةً ولن تعتريك مشقة في التعامل معهم , ولكن المشكلة والداء العضال يكمن في الجهل , أو في من يتصنَّعون الجهل وعدم المعرفة ؛ إذا رأوا أو فسر لهم أن الجهالة نجاة لهم , ويصبح هؤلاء أول مشكلاتهم تَحيُّر العاقل فيهم , ولو وجدت يوما عقلاء قد امتلكهم الغضب فالتمس لهم العذر ؛ لأنهم عندما يتواجهون مع صنف الجهلة قد يخرجون عن اتزانهم وهدوئهم فاعذرهم , فقد فاض الكيل لديهم من هذا الصنف من البشر الذين يتنكرون أو يكذبون على غيرهم , فالخداع لديهم مرفوض أياً كان نوعه ؛ لأنهم لا يتحملون هذا الصنف من جنس البشر المشحون بمرض الحقد والتنكر لأهل الفضل , وكثيرٌ منا يتعرض لهذه الأصناف من جنس البشر فعليه أن يحذر من هذا الصنف , فالحذر مطلوب عند التعامل أو التصاحب مع هذا الصنف , كما أن علينا الحرص في التعامل مع الحكماء لحظة غضبهم... فالحكمة تقول : « اتق شرَّ الحليم إذا غضب « وكم منَّا من يتعرض للجهلاء فنقول له : تحمل الصعوبة في سبيل إيصال الرأي الصحيح لهؤلاء الجهلة .. فهذه سنة الحياة .. وكثيراً ما صادفنا من رجال لديهم الحنكة والروَّية , وعندما تطرح عليهم رأياً صائباً أو موضوعاً متشعباً فإنهم يفكرون بإمعان ويقتنعون بالرأي الأصح , هنا قد تنتهي كل المعوقات في سبيل حل أي مشكلة ما . أما المنغمسون في الجهالة ـ وإن كانوا يقرؤون ويكتبون ـ فإن تكوينهم البشري لا يبحث عن الصواب ولا يريدون أن يتبصروا أبداً .. سبحان من فطر هذه الجبلة على الجهالة هنا يحار العقلاء مع أصحاب الجهالة فيصبحون أمام أمرين :إما أن ينزعوا الرأي الخاطئ من تفكير هؤلاء ويرشدوهم إلى الصواب , وإما أن يتحملوا المشقة في إدخال الرأي الصائب إن استطاعوا , والأمر قد لا يكون سهلاً , ولكن لنعلم أنهم يشاكسون ويكابرون ويثيرون المتاعب للعقلاء , ويغضبون على من أراد لهم الخير والصَّواب , هذه ظلمات الجهل .. ظلمات بعضها فوق بعض .. وهناك رجال على موهبة من الخالق قد ميزهم الله ـ تبارك وتعالى ـ بالعقل ونفعهم بالعلم والمعرفة , عندما تناقشهم تجدهم أصحاب دراية وصواب , وينصاعون للحق كما أن الحق مستحب لديهم , يقتنعون بسهولة ويسر , ثم يحتكمون للمنطق بالعلم والواقع .. وفي النهاية أقول : لا أرى مَن يتضايق من عاقل إلا من كان جاهلاً ولكن إن جهلت الرجال ضقت بهم وهربت من أفكارهم , وعلينا ألا ننزعج عندما يغضب العقلاء , لا نتخوف ولا نخاف منهم ؛ لأنهم لا يحقدون ولا يسعون بفساد , قد مُنحوا العقل والحكمة ؛ فانشد التقرب منهم والاستماع لمواعظهم , وكن للعاقلين خليلاً , وعلى المتشددين صبوراً , وجادلهم بالتي هي أحسن , فإذا جهلت فاسأل , وإذا علمت فأقلع عن الخطيئة , وإذا فضلت على أحد من عباده فأكثر من الحمد والثناء والشكر للواحد الأحد .