بقلم : مشارى الذايدى في أوقات التوتر والاضطراب، واحتقان المشاعر، وهيجان المشاعر الدينية والقومية، يصبح كل حدث مهما بلغ من عاديته وتجرده من البعد السياسي، مسيّسا بالضرورة، ورغم أنفه. تجفّ البراءة والعفوية على بخار السياسة الساخن. من أجل ذلك يقال إن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، حتى لو كان صوت الحقيقة ذاته، ناهيك عن أن أنفاس الشكوك وخفقات الهواجس تزداد وتتفاعل في خنادق المواجهة وتقابل الصفوف. نحن الآن في حالة حرب عالمية كبرى على الإرهاب، في نسخته الداعشية، مع شبيهات «داعش» مثل «النصرة» و«أحرار الشام» في سوريا، و«أنصار بيت المقدس» في مصر، و«أنصار الشريعة» في ليبيا، وهلم جرّا. في المقابل هناك غمامات من الارتياب العربي الإسلامي، بحقيقة نوايا أميركا والغرب، من وراء هذا التحالف ضد «داعش»، وهل كله لوجه الإنسانية؟ وهل هو منزّه عن الأهداف المبطنة، التي يراد بها «حصرا» ضرب الفعل «السني» الإسلامي، وفتل حبال الثقة مع الفرس الشيعة؟ هكذا تحوم الشكوك في أفئدة الشكاكين، وما أغزرها. لا شيء يفسر ببراءة، وتلقائية، حتى لو كان حادثا جنائيا عاديا، مما يحصل كل يوم في المجتمعات الإنسانية. خذ لديك، أعداء برنامج الابتعاث للتعليم الخارجي في السعودية، وهو برنامج طموح ومستقبلي، لكن خصوم هذا البرنامج، وجلهم من جنود الأصوليين المسيسين، يناصبون البرنامج العداء، ويبذرون بذور الشك والتشويه في حقله، يصطادون كل حادثة تحصل في مجتمعات عشرات الألوف من الطلاب السعوديين في أنحاء المعمورة، للنيل من البرنامج، وإثارة مخاوف الأهل، مثلما حصل في حادثة مقتل الطالبة السعودية في لندن. هذه الأيام حصل حادث مؤسف لطالب سعودي، وصف بأنه جاد ومجتهد، وهو المرحوم عبد الله القاضي، حيث قتل غدرا على يد عصابة لاتينية في كاليفورنيا، وفجعت أسرة الطالب بإعلان شرطة كاليفورنيا العثور على جثة الشاب المغدور في طريق بمدينة صحراوية جنوب كاليفورنيا، وكان قد فُقد في سبتمبر (أيلول) الماضي. قبل ذلك بأيام حصلت جريمة أخرى في شرق العاصمة السعودية الرياض، عند محطة وقود للسيارات، حيث أطلق شاب سعودي النار على مقيم أميركي فقتله، وأرجف البعض، داخل السعودية وخارجها، وكل له غرضه، بأن هذه حادثة ذات طبيعة سياسية إرهابية، ليتبين لاحقا، وبالبراهين، أن القاتل موظف في شركة «فينيل» العاملة في مجال التدريب العسكري والدعم اللوجيستي بالسعودية، وأن القاتل يحمل الجواز الأميركي بالإضافة للسعودي، وأن القتيل الأميركي تسبب بفصل القاتل السعودي بسبب سوء مستواه، ليعود القاتل، يقال تحت تأثير غير طبيعي، إلى الانتقام. حادث جنائي بحت، مثلما هو حادث مقتل الطالب السعودي عبد الله في كاليفورنيا. هل يتقبل عشاق الإثارة هذه «العادية»؟! حوادث عادية، لكنها مؤسفة ومحزنة قطعا، خاصة لأسرتي الشاب السعودي والرجل الأميركي. هم يحسدوني على موتي فوا أسفي حتى على الموت لا أخلو من الحسد نقلا عن الشرق الاوسط