الذين يملكون القناطير المقنطرة من مخططات العقار ومحافظ الأسهم الممتلئة، هم في الغالب من المسنين، فالثروة الكبيرة لا تتراكم إلا مع مرور السنين، ولأن الله -جلَّ جلاله- قد أنعم على بلادنا ومجتمعنا بثروة نفطية هائلة، وإنفاق حكومي كبير لم يسبق له مثيل، وتثمين كثير من العقارات بمبالغ هائلة، وارتفاع أسهم العوائد التي يفضلها المسنون، وعزوف هؤلاء عن بيع العقار باعتباره -في نظرهم- الولد البار، فإن ثروات كبرى قد تواجدت لدى كثير من المتقدمين في العمر، وباستثناء الذين جمعوا ثرواتهم من التجارة الحقيقية والشركات العائلية التي تنتج سلعاً وخدمات ويشترك أبناؤهم وربما بناتهم في إدارتها، باستثناء هؤلاء إلى حدٍّ ما، فإن من جمعوا ثروات من مجرد (الانتظار) وهم ملاك العقارات الكثيرة والأراضي البيضاء أو أسهم العوائد التي توالدت مع الزمن، فهؤلاء يعيشون -في الغالب- توجساً وحيرة خوفاً على مصير أولادهم -بنين وبنات- بعد مماتهم، لأن كثيراً من هؤلاء المسنين لم يشركوا أولادهم في بناء الثروة، ولم يعودوهم على العمل والكد والجد، وما يتج عنه من تربية العقل والإحساس بالقيم الجيدة في الحياة والخبرة بالواقع والناس، ومصدر توجس هؤلاء المسنين الأثرياء وحيرتهم هو خوفهم على أولادهم بعدهم من الوقوع في مصيدة الترف والإسراف والولوغ في الشهوات والملذات التي يجلبها المال الكثير الذي هبط على شباب غر ورث الملايين فجأة، وبهذا نؤكد أن حسن التربية وجودة التعليم أهم بكثير من ترك الملايين للأولاد دون تربية جيدة ولا تعليم يؤهل للعمل في كل مكان، وفي كل الأحوال يحس المسنون أن المال أقرب إلى إفساد عقول الأولاد وأجسادهم إذا ورثوه وهم شباب، لذلك تضربهم الحيرة ويختلف تصرفهم واحداً عن واحد.