النرجسية أو الإفراط في حب الذات لدرجة مرضية هو داء يصيب بعض الناس ونراه حولنا للأسف بصفة يومية. والكلمة أصلها من الميثولوجيا الإغريقية. فنارسيسوس كان شابا جميل الشكل بطريق استثنائية وحينما رأى ذات يوم صورته منعكسة على سطح المياه وقع في غرامها ولزم المكان إلى أن مات. والحكمة من وراء القصة الميثولوجية واضحة وهي أن الإفراط في حب الذات يؤدي إلى التهلكة. وهذه الحكمة حاضرة في جميـع الأديان والفلسفات والميثولوجيات التي تدعو إلى حسن الخلق. ولكن للأسف وقع الحياة الحديث اللاهث جعل الأنا تتعاظم لدى البعض وخاصة ممن لديهم القابلية لذلك. وحب النفس فطري وحينما حثنا ديننا على أن نحب لأخينا مانحب لنفسنا فذلك يوضح كيف أن الإنسان جبل على حب الأفضل دائما لنفسه وهي فطرة غريزية ربما هدفها النجاة والاستمرار، ولذا جاء الدين يحثنا على تجاوز الأنانية الفطرية للرقي بكمال الخلق ومحبة الخير للآخر أيضا. وحينما حثنا ديننا على اختيار أجود مالنا لنتصدق به فهو أيضا يدفعنا للخروج الفطري من دائرة الاستئثار الذاتي ومحبة أجود وأفضل الخير للنفس وإبداء الذات عن الآخرين. فالأثرة والتفكير في الآخرين بطريقة مثالية شيء صعب وليس دائما سهلا على النفس وهو عادة يكون ضد الفطرة ويحتاج لمجاهدة في النفس. ولكن لا شك بأن الناس درجات في أنانيتهم. فهناك الأنانيون المتطرفون مثل من يتسابق معك لخطف موقف سيارة انتظرته طويلا وبوضوح يفعل ذلك بلا أدنى تردد أو حياء أو اعتذار. وغريب جدا حال هؤلاء فهم يحتاجون لفطاحل مثل فرويد وغيره من متخصصي علم النفس السلوكي ليحلل لهم تصرفاتهم ويوضح لنا أسباب تبلدهم الحسي وعماهم الاجتماعي وأنانيتهم البغيضة. وهناك من يفاجئك بتصرفات تدل على وجود الخير ليوم الدين كغريب يساعدك في بلد غريب فيدلك على الطريق مكلفا نفسه وقتا وربما عناء رغم أنه لا يعرفك ولن يستفيد من مساعدتك شيئا.. والفلاسفة شغلتهم مفاهيم الإيجويزم أو الأنانية منذ ماقبل الميلاد. فقالوا إن المحرك الأساسي لأخلاقيات الإنسان هو حب الذات والمنفعة الذاتية، كما يزعم علماء النفس أن هذه هي الحقيقة رغم ما يجب على الإنسان أو لا يجب عليه فعله بسبب ضوابط المجتمع، فما يفعله عادة في النهاية هو مايتفق مع منافعه بغض النظر عن أخلاقية هذا الشيء من عدمه. والفرق هو في تحليل مفهوم المنفعة فالبعض ينظر للدنيا كدار دائمة فيترجم ذلك بتلهفه على اغتنام الأكثر بلا روادع إن أمن العقوبة، ولكن يؤمن البعض الآخر بالمنفعة الأخروية فيعمل لما بعد الحياة وهكذا.