×
محافظة المنطقة الشرقية

منظمة العمل: 20 مليون عاطل عربي خلال العامين الماضيين

صورة الخبر

نحن كشعوب عربية نتمتـع بكثير من المزايا الجميلة .. فلدينا الإيثار والكرم ومازال منا من يوقر الكبير ويعطف على الصغير ويعمل الخير بلا أجندات خفية كحال بعض المجتمعات الرأسمالية التي تحركها المصالح حتى في العلاقات الإنسانية والعائلية .. ومازالت لدينا الروابط الأسرية قوية والصداقات قائمة حتى بعد انقضاء الدراسة المشتركة أو غيره ولدينا صفات كثيرة مميزة. ولكن هناك صفة اشترك فيها أغلب العرب .. وهي الخوف من كلام الناس مما يقتضي وجوب الظهور أمامهم بأفضل مظهر .. الشيء الذي يجعلنا نحرم أنفسنا من متـع الحياة البسيطة التي تفرح الإنسان بينما نغدق الكرم والراحة على ضيوفنا. فنحن نضحي لنسايـر المجتمـع في عادات لا يدعمها المنطق ولا الإمكانيات المتاحة. لي صديقة تزوجت قبل سنوات فتابعت تجهـيزها لمستلزمات المنزل وتيقنت بأننا سوف نستمر بالاعتماد على الخدم إلا إذا تغير النمط الشرائي والمعيشي لنا. ابتاعت صديقتي أثاثا وأدوات منزلية وكأنها تجهـز «كيترنج بزنس» .. امتلأ بيتها بالأثاث وبصناديق الأطقم الصيني الليموج والروزنتال وكريستالات كريستوفل وباكارا وسيرفيسات فضية متعددة. ولاستيعاب ذلك كله كان لابد لها من منزل كبير، بملحق واسع مخصص للضيوف بمساحة توازي بعض البيوت كاملة في بلدان أخرى. والمشكلة أن صديقتي تشكو من كبر منزلها وصعوبة العناية به واضطرت رغم كرهها لاستقدام عاملة تساعدها. فهل تستمتـع هي بمنزلها؟، لا أظن. فمنذ تزوجت لم تدعنا إلى منزلها ولا مرة واحدة لا صدقا ولا مجاملة ونحن نتندر على ذلك أمامها. وملحق الضيوف مغلق لا يفتح إلا يوم التنظيف. وحجتها دائما هي: «لازم أستعد .. لو جاءني أحدهم على غفلة .. ايش يقولوا علينا الناس؟» ولأجل «الناس» تتكدس عائلة صديقتي في حجرة المعيشة فقط لتترك البيت مرتبا .. ولأجل «الناس» تغلق كل الحمامات إلا واحدا .. وتمنـع التجول في ملحق الضيوف. وحتى زوجها المسكين يشكو ــ وهذه نكتتنا التي نرددها ــ بأنها في كل عام حال رؤية هلال رمضان تسرع إلى الأسواق لتشتري كل جديد وغريب من الأواني التي تنهي حياتها مكدسة في بوفيه الضيوف الذين لم يأتوا أبدا، بينما يشرب هو بحسرة من كؤوس الدعايات المكتوب عليها «تانج أو فيمتو» والكؤوس الجميلة تدفن في الدواليب انتظارا للممسحة الأسبوعية!. وعندما فكرت في حال صديقتي وجدت بأن الكثير منا يفعل ذات الشيء ولكن بنسب متفاوتة . وهذه مصيبة! فما قيمة المقتنيات المادية إذا لم نمتـع بها أنفسنا .. فالضيف يعتبر ظرفا طارئا بل أصبح حدثا نادرا .. فالبيوت متكلفة ومزينة ولكن الكثيرين يلتقون خارج البيوت في المول أو الكافية. ولو كانت الدعوة في المنزل .. كثيرا ما يلجأ الناس لتجهـيز بوفيه من الخارج بأواني المطعم المورد للطعام. والمضيف لا يضـع الطعام ويتمتـع بالوجبة مع الضيوف بل يتوتـر بمراقبة حركة الطعام ويلـح على الناس إلى أن يتخموا ! ومن المعتاد أن يفاجأ الضيف العربي وهو في أمان الله بمأكولات تحلق وتحط في طبقه بلا طلب منه فالمضيف يراقب الأطباق ويعمل «الريفيل» لها باستمرار.. وممكن أن يجد الضيف في صحنه عنصرا غذائيا جديدا حينما يتركه بلا مراقبة. وبعض العادات تجبر الأفراد على التدين لإكرام الضيف بوليمة ولو رميت في المهملات بعدها ولا حول ولا قوة الا بالله. ما أجمل التوازن بين حق أنفسنا وإكرام ضيفنا.. لم لا نبدأ صباحنا بالتمتـع بالقهوة في أجمل كوب لدينا ولماذا لا نجفف وجوهنا بأفخم منشفة في خزانتنا ونجلس في أجمل مكان في بيتنا ونستخدم الأواني الثمينة التي جندنا الخدم وتحملنا كل مضايقاتهم للعناية بها وبغيرها من الكماليات التي نستطيـع بسهولة الحياة بدونها أو تقنينها للحد الأدني؟ خوفنا على المقتنيات ليس حجة فهي أحيانا تتكسر حين ننظفها مثلا أو ننقلها من منزل لآخر أو خزانة لأخرى. صحيح إن استخدامها يزيد فرص تلفها ولكن السعادة التي نحصل عليها عندما نأكل في طبق جميل لا توازي أبدا الخوف من فقده. الحياه قصيرة .. وكم من أعزاء رحلوا تاركين مقتنياتهم الرائعة دون أن يتمتعوا بها، وللمفارقة ذهبوا هم وبقت المقتنيات وكانت نهايتها تكديسها في صناديق وتوزيعها على من لا تعني له أي قيمة معنوية. ما أجمل الاحتفاء بالضيف وإكرامه ولكننا نبالغ لدرجة حرمان أنفسنا من متـع الحياة التي نقتنيها فتصبح وسيلة لإسعاد الآخرين ولإشقائنا.. فمن الحكمة خلق التوازن بين راحتنا وبين مانقدمه للآخرين. إكرام الضيف واجب في عقيدتنا «ليس منا من لم يكرم ضيفه» ومن تمام الأخلاق ولكن التوازن مطلوب. أذكر في هذا السياق إحدى المرات عند زيارتي لعائلة أوروبية أن أبناء السيدة التي دعتنا أعجبتهم كعكة الشوكولا التي اشترتها للمناسبة وكانت الكعكة أصلا ذات مقاس صغير جدا بالكاد يكفي شخصين من ذوي الشهية العربية .. أكل الأطفال الكعكة كلها .. وهي تنظر إليهم ضاحكة .. وتخيلت نفس الموقف في بيت عربي. وبعقليتي العربية توهمت بأن هناك شيئا بديلا للكعكة يبرر عدم اكتراثها لجريمة انتهاك طعام الضيوف والتي تعتبر من الكبائر لدى العرب. فالطفل منا يدرب على أن الضيف هو أهم شخص وطعام الضيافة لا يمس. والثقافة العربية تتبنى نظريـة « تأديب الأطفال أمام الضيوف »، وقواعدها تتراوح ما بين إخفاء الأطفال تماما لعدم مضايقة الضيف، مرورا بالنظرات المستنكرة للطفل المذنب « الزغرة » ثم الإشارة وإن لم ينتهِ الطفل فهناك الهمسات القصيرة المتوعدة والملغومة ! والطفل يحذرها ويعلم أن حسابه عسير.. طبعا في حالة مضيفتنا الأوروبية لم يكن هناك أي زغرات.. بل تجاهل تام لما حدث! أكل الأطفال الكعكة بالعافية. وأما نحن فانتهت وجبتنا وأتت القهوة وبجانب كل فنجان قطعة شوكولا صغيرة مع اعتذار غير متكلف بأننا يجب أن نكتفي بذلك لأن الأطفال أكلوا الكعكة!.