نادرا ما حظي بلد عربي في فرنسا بما يحظى به المغرب حاليا؛ حيث يخصص له معرضان في وقت واحد: الأول، يستضيفه متحف اللوفر والثاني معهد العالم العربي. الأول مخصص لـ«المغرب الوسيط» وتحديدا للفترة الممتدة من القرن الحادي عشر وحتى القرن الخامس عشر فيما الثاني ينقل صورة عن «المغرب المعاصر». المعرض سيفتتح رسميا اليوم بحضور الأميرة للا مريم التي تمثل شقيقها العاهل المغربي محمد السادس ووزيري الثقافة الفرنسي والمغربي ورئيس متحف اللوفر جان لوك مارتينيز ورئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف المغربية مهدي قطبي إضافة إلى شخصيات دبلوماسية وسياسية وثقافية وفنية واجتماعية. وأمس، جالت «الشرق الأوسط» على المعرض الذي أقيم في «بهو نابليون» في الطابق الأرضي من متحف اللوفر للاطلاع على محتوياته التي وصفها رئيسه مارتينيز بأنها «استثنائية» إذ إن بعض الآثار المعروضة التي يبلغ عددها أكثر من 300 قطعة تخرج من المغرب للمرة الأولى كما أنها المرة الأولى التي تجمع فيها هذه القطع المخصصة للعصر الوسيط. وبحسب المفوضة العلمية للمعرض يانيك لينتز، فإن هذه الفترة من تاريخ المغرب الوسيط الذي وصفته بـ«الكبير» غير معروفة في بلدان الغرب رغم تألقها الثقافي والفكري والفني وخصوصا لما عرفته من إطلاق مدن جديدة كانت عواصم للممالك المتلاحقة التي ترامت أطرافها من جنوب ما يسمى الصحراء إلى إسبانيا. وجاءت القطع المعروضة من المغرب بطبيعة الحال ولكن أيضا من إسبانيا ومالي وموريتانيا وتونس وهي تنقل للزائر بعض ملامح تلك العصور لجهة الفنون المعمارية والهندسية وفنون الزخرفة الإسلامية والصناعات الرائجة مثل النسيج والخزفيات والخطوط. سعى منظمو المعرض إلى اتباع نسق تاريخي غرضه تسهيل استكناه أهمية الآثار المعروضة وربطها بإطارها الزمني والجغرافي من أجل «إبراز المراحل الحضارية المضيئة» في تاريخ الإسلام في بلاد ما يسمى «الغرب الإسلامي» الذي يضم بلدان كل الفضاء الجغرافي المترامي. وهكذا تعود للزائر ذكريات ما تعلمه أو قرأه من ممالك الأدارسة الذين أسسوا مدينة فاس في عام 801 إلى دولة المرابطين الذين أسسوا الرباط في عام 1049. وبعد دولة المرابطين، تأتي مملكة الموحدين التي بنت العديد من المساجد وأهمها مسجد إشبيلية الكبير ومئذنته الشهيرة المسماة اليوم «غيرالدا» ومسجد الحسن في الرباط الذي أريد له أن يكون أكبر مسجد في العالم الإسلامي. غير أن دولة المرابطين سقطت تحت ضربات ملك قشتالة في إسبانيا، وتحت ضربات المرينيين (بين 1269 و1465) الذين سيطروا على مراكش وفاس التي أراد السلطان أبو يوسف أن يحل مكانها فاس الجديدة. وفي عهدهم عاش الرحالة المغربي الكبير ابن بطوطة وكذلك ابن خلدون.. من الصعب جدا تقديم وصف لكل القطع المعروضة. بيد أن بعضها يفرض نفسه بشكل لا جدال فيه. وأولى هذه القطع ثريا مسجد القرويين في مدينة فاس التي صنعت في بداية القرن الثالث عشر من النحاس المصقول والمنقوش وقد جلبت خصيصا إلى باريس من أجل المعرض الذي يستمر حتى 19 يناير (كانون الثاني) المقبل. وفي الأساس كان ينير الثريا التي تعد أهم أثر من هذا النوع خاصة بالقرون الوسيطة 520 مصباحا زيتيا. ولا شك أن الزائر سيفاجأ بدقة النقوش والهندسة والأشكال الجغرافية التي تتمتع بها هذه الثريا والتي تنم عن مهارات صانعيها في تلك الفترة. كذلك سيفاجأ الزائر بالمخطوطات الخاصة بأسماء لمعت في سماء المغرب الكبير والأندلس وبالحلي والأقمشة الملونة والمزخرفة وبدقة النقوش على أبواب المساجد والجامعات وكلها تشي بما كانت عليه حضارات تلك الفترة التي تستحق إبرازها للجمهور.