الذين أُتيحت لهم الفرصة لزيارة مصر في إجازة العيد، وتمتعوا بأجواء مصر الجميلة من ناحية المناخ والنظام والأمن، يرون فارقاً كبيراً، وكبيراً جداً، بين ما شاهدوه وتمتعوا به - وأنا منهم - وما تذكره المحطات الفضائية. وإذا كانت «الجزيرة القطرية» و»الجزيرة مباشر» قد انحرفتا عن المهنية وعن أداء الرسالة الإعلامية الأمينة فإن المحطات الفضائية المصرية هي الأخرى انحرفت وسقطت في «وحل الإثارة» وتتبُّع الأخبار التي تعتقد أنها تشد المشاهد. خمسة عشر يوماً قضيتها في مصر أتنقل بين أحياء القاهرة والإسكندرية، ولم أشاهد ما تكرره الجزيرة القطرية؛ فلا مظاهرات، ولا إخلال بالأمن، بل وجدت عكس ما كنت أراه قبل أربعة أعوام. المواطن المصري أصبح أكثر هدوءاً، واطمئناناً، وثقة بالمستقبل، والشوارع والأسواق ممتلئة، ورغم ارتفاع الأسعار إلا أن الجميع يقبل على الشراء، وتجد وفرة في البضائع المعروضة، وزحمة من المتسوقين. الأماكن السياحية لم تعد حكراً على السياح العرب بل يتقاسم معهم المصريون الذين لاحظت ارتفاع قدرتهم الشرائية، وتحسُّن كثير في السلوك الإنساني والحضاري؛ إذ اختفت إلى حدٍّ كبير مظاهر العنف و»البلطجة»، وتجد تعاملاً جيداً من قِبل قائدي سيارات الأجرة الذين أصبحوا حريصين على سؤالك عن تشغيل العداد. الملاحظة التي رصدتها هي الرضا المرتسم على وجوه المصريين الذين كانوا قبل سنين الحزن يغطي وجوههم. هذه المرة، ورغم أن الحكومة لم تحسن كثيراً من الأوضاع السابقة، إلا أنهم مقتنعون بأن الرئيس السيسي وحكومة محلب تعمل من أجلهم، وتسعى إلى تحسين الوضع، وأنهم لا بد أن يتحملوا بعض المعاناة التي يقدمون عليها دون تذمر كالسابق. ورغم بعض الأعمال السلبية والملاحظات من الكثيرين الذين لم تفارقهم السلبية إلا أن المناخ العام يتحسن يوماً بعد يوم. المصريون يفاخرون اليوم بأن الكثير من المشاريع التي كانت متوقفة ومعطلة بدأت تنفذ بوتيرة عالية. طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي الذي بدأ العمل به قبل ثماني سنوات يوشك أن ينتهي بعد أن تسلمه الجيش، وحوله إلى طريق حديث أشبه بطرق المملكة وأمريكا، بجهود ذاتية، تعتمد على تمويل ذاتي، يؤخذ من رسوم بوابات الطريق. مشروع قناة السويس الجديد الذي موله اكتتاب المواطنين بـ64 مليار جنيه يسير بسرعة توازي سرعة جمع مليارات جنيهات الاكتتاب. الخمسة عشر يوماً التي قضيتها في مصر أكدت لي أن المحطات الفضائية تلهث وراء الإثارة، وأن مصر بخير، وهي كما يقول أهلها «زي الفل»، وأن القادم أفضل، وستعود إلى موقعها الصحيح في أسرع مما يتصوره حتى أحسن المتفائلين.