الذي لا أحد يجهله أن الله إنما أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم القسط بين الناس، فغاية الشرائع الإلهية ومقصدها الأساسي أن يعدل بين الناس فلا حياة بغير العدل أليس ربنا يقول في محكم كتابه: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، ويقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) والعدل هو الأقرب للتقوى، بل هو جزء التقوى لا تتحقق إلا به أليس العدل أفضل ما يعبد به الله، الذي من أسمائه العدل، ولو تتبعنا آيات القرآن العظيم لوجدناها تأمر به (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وتطلب أن يحكم به بين الناس (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). إن العدل القيمة العظمى التي إذا تحققت في المجتمع الإنساني سما وارتفع في طور الإنسانية الخالصة، وطور التقدم لحياة هي أفضل بين حيوات البشر. والأمن والاستقرار الثمرة اليانعة التي هي ناتج العدل، فقد قيل أن أحد الولاة في عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- كتب إليه يطلب أموالاً ليبني سورًا حول عاصمة الولاية ليحصنها من ثارات بعض الناس فقال: وبماذا تنفع الأسوار، حصنها بالعدل ونقِّ طريقها من الظلم. والعدل إذا فقده أي مجتمع وانتشر فيه الظلم تدهورت أحواله، وشاعت فيه المظالم، الدافعة للانتقام والثورات، لذا من أراد أن يستقر مجتمعه سعى ليقام فيه العدل حتى لا يبقى فيه مظلوم. ومن ادعى أنه الداعي للإسلام الحامي له، وكون جماعة ظن جهلاً أنها وحدها هي التي على الإسلام، ومن عداها قد انحرف عنه، وهو يريد أن يردهم إلى الإسلام ولو بقتلهم، والاستيلاء على أموالهم، واستباحة أعراضهم، وهو في الحقيقة لا يسعى إلا لمصلحته ومصالح جماعته أن يكون لهم السلطة يتحكمون في رقاب العباد، من أطاعهم ضموه إلى جماعتهم، ومن خالفهم كفروه ثم لاحقوه حتى يقع فريسة لهم فإن لم يقتلوه شوهوا سمعته. هذا هو ديدنهم فهم في الواقع تجار دين وليسوا دعاة يربون الناس على قيم الدين، فمن خالطهم يعلم يقينًا أنهم أبعد الناس عن هذه القيم والأخلاق التي جاء إمام الرسل وخاتم النبيين محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- ليتمها لخلق الله فمن أحبه فتبعه، فاقتدى به، أما هؤلاء فهم أبعد الناس عن هديه. انظروا إلى جماعاتهم التي تنوعت مسمياتها واجتمعت كلها على الباطل تحترف القتل ولا شأن لها بالحياة، تنشر الرعب في ديار المسلمين لتنهك قواهم، ولا يمتد ما تسميه جهادها للأعداء الحقيقيين للإسلام وأهله، ما رأيناهم يومًا يقاتلون الصهاينة وهم إن قاموا بعمليات في الغرب فإنما يفعلون ذلك لذر الرماد في العيون. فقد ثبت اليوم بعد هذه الثورات التي سماها الغرب الربيع العربي وآلت لا إلى خريف كما يقول البعض، بل إلى كوارث نشرت الفوضى في عدد من دولنا لا ندري متى تنتهي في العراق وليبيا واليمن، ثم في أفغانستان وباكستان، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه اليوم، فسنرى بلادًا أصبحت نهبًا لهؤلاء يتقاسمونها مع الغربيين الذين سيمكنون لهم ويقتسمون معهم الغنائم. ولو كان هؤلاء على خير لعدلوا مع أنفسهم ومع من اتخذوهم عدوًا لهم من المسلمين، ولو تحقق ذلك لما وقعوا فيما وقعوا فيه من الجرائم البشعة التي نسمع عنها كل يوم. فاللهم ربنا احفظ لعبادك المسلمين في ديارنا أمنهم وأمانهم وارزقهم طاعتك، وجنبهم معاصيك لتستقيم أحوال بلادنا وننعم في ظلال رحمتك بالعدل والإنصاف، فأنت من تسمع الدعاء وتجيبه. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain