إعداد مركز المعلومات في القبس | «بعث صدام.. رؤية من داخل نظام استبدادي»، كتاب للباحث يوسف ساسون، يتصدى فيه للإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي مواصفات نظام حزب البعث العراقي المميزة له؟ كيف تمكن من الاستمرار في السلطة لزمن طويل؟ هل كان مقدرا له أن يستمر لو لم يحدث الغزو بقيادة الولايات المتحدة للعراق في عام 2003؟ ينبه ساسون إلى أن الكتاب ليس تاريخا لحزب البعث أو العراق، لكنه دراسة لأنشطة الحزب وحالة إدارته المزاجية حين حكم العراق في الفترة الممتدة من 1968 الى 2003، حيث «صمد نظام حزب البعث أمام تقلبات الزمن على مدى خمسة وثلاثين عاما خاض خلالها حربين عظميين، وصراعات عسكرية متكررة مع الأكراد، وتصدى لانتفاضة كبرى في عام 1991 بعد انتهاء حرب الخليج الأولى، وقاوم ثلاثة عشر عاما عقوبات اقتصادية قاسية». يعتمد البحث بصفة اساسية، كما ينبئنا الباحث، على السجلات الحكومية الهائلة التي استولت عليها الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط صدام حسين، في أبريل 2003، وتشمل سجلات حزب البعث وأجهزة المخابرات والديوان الرئاسي ووزارة الإعلام ، وشرائط التسجيلات الصوتية لاجتماعات مجلس قيادة الثورة.. وثائق جديدة يقول المؤلف: إن «أغلب تلك الوثائق تظهر للعلن لأول مرة. وبعضها مستمد من 4 و2 مليون صفحة من سجلات شمال العراق، التي نشرت جزئيا. وقد شحنت أطنان من الصفحات إلى الولايات المتحدة في شهري مايو عام 1992وأغسطس 1993، على شحنتين مكونتين من ثمانية عشر طنا من الوثائق العراقية الرسمية التي استولت عليها مجموعات كردية خلال انتفاضتها ضد النظام عام 1991». ويضيف: «والمادة الجديدة التي تعد مصدرا لهذا الكتاب مكونة من 6 ملايين صفحة من وثائق القيادة القطرية لحزب البعث والتي نقلت إلى واشنطن من قبل مؤسسة الذاكرة العراقية..». يوضح المؤلف ان حزب البعث في العراق ، كان أحد ثلاثة أعمدة للحكم، مع الجيش والبيروقراطية، لكنه كان أهم الأعمدة. فقد عمل صدام حسين على إضعاف قدرة قادة الجيش لمنع وقوع انقلاب عسكري، وأصبح الحزب القلب السياسي والمركز الحيوي لإدارة عمليات الهيمنة والقيادة. وبدأت عملية الهيمنة الأيديولوجية على السلطة في 30/17 يونيو 1968، واشتغلت آلة الحزب على الفور على كل صفوف الجيش. هيمنة الحزب والفرد ويرى أن النظام العراقي كان يجمع بين صفات كل من نظام الحزب الواحد ونظام الحكم الفردي. فقد وزعت الفوائد والمنافع والمزايا على قطاع واسع من المواطنين، أوسع مما يتاح عادة في نظم الحكم الفردي وحدها، ولكن على عكس نظم حكم الحزب الواحد، كان النظام مهيمنا عليه إلى حد كبير من قبل «فرد، أو عائلة، أو عشيرة، أو عرق، أو جماعة إقليمية». ويبين أن عوامل كثيرة أدت إلى ظهور حزب البعث ونموه، مثل عدم الاستقرار ، وتكرار فترات فراغ السلطة، والحاجة إلى إيجاد توجه جديد. وبمجرد أن تمكن الحزب من الإمساك بمقاليد السلطة، راح يقهر ويخضع معارضيه ويتخلص من كل أشكال المعارضة. ويؤكد بلا لبس أن النظام العراقي كان مستبدا، ودكتاتوريا، وقمعيا من أول أيامه على وجه التقريب حتى انهياره في عام 2003، « لم يكن لدى النظام العراقي أي قدر من التسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، عنيفة أو مسالمة. وعملت مؤسساته الأمنية بطريقة ممنهجة لقمع الجماهير ، وقام بعمليات مراقبة جماعية داخل الحزب وخارجه فقد تحمل أعضاء من الحزب وآلاف من الضباط والجنود كثيرا من الصعوبات والمعاناة القاسية تراوحت من الطرد حتى الإعدام عقابا على ما فسرته السلطة بأنها أعمال معادية للنظام». ويشير إلى أن النظام خصص الموارد ووزعها على مجموعات من أصحاب المصالح، وتم إصدار القوانين لاستيعاب المصالح للمتعاونين والموالين للنظام. أما أيديولوجية حزب البعث، ففي الواقع الحقيقي، لم تكن مهيمنة كهيمنة الأيديولوجية الشيوعية، «ولم تحقق اي مفردة من مفردات شعار الحزب المكونة من الوحدة والحرية والاشتراكية»، وبحلول التسعينات تحولت إلى عبادة الفرد. استئصال المعارضة ويفسر المؤلف امتداد حكم النظام واستمراريته الطويلة بتصميم القيادة على استئصال شأفة أي نوع من المعارضة من مهدها، واستعمال العنف، وفرض الخوف للسيطرة على الجماهير ، ونظام المكافآت الشامل والعام، ونجاح النظام في توظيف وضم أعداد كبيرة من المؤيدين، وقدرته على استغلال ملكات ومواهب وكفاءات المتعلمين من العراقيين لإعادة بناء الدولة واستمرارية نظمها البيروقراطية، وأخيرا، «حدة ذكاء صدام حسين وقدرته على إزاحة معارضيه ومنافسيه والإبقاء عليهم في حالة من السيولة والميوعة حتى النهاية». وإجابة عن السؤال الافتراضي عما إذا كان من الممكن أن ينهار النظام دون حدوث غزو 2003، يقول المؤلف: من المشكوك فيه أن الحزب كان سيتحلل ويتفكك وينهار من تلقاء ذاته. داخليا كان صدام حسين ناجحا في السيطرة على عناصر السلطة الكبرى. ففي داخل الحزب والدائرة الداخلية من المسؤولين والمحيطين به مباشرة لم يكن يوجد متنافسون يعتد بهم لينازعوه السلطة، وكان من الواضح أن أي أحد لم يحز قدرا كافيا من السلطة ليتحداه. وأخيرا، من المهم أنْ نتذكر أن الاقتصاد العراقي مع حلول عام 2000 كان قد بدأ في التعافي، كما كانت بنية البلاد الأساسية قد اقتربت على نحو ما من استعادة الحالة التي كانت عليها قبل حرب الخليج الأولى.