ينتمي محمد العريفي لفئة خاصة من المشاهير تحرص أشد الحرص على الظهور الإعلامي بأي شكل كان؛ حتى لو كان ظهوراً سلبياً خادشاً لقيمته ولمكانته، فالمهم أن يكون اسمه متداولاً بين الناس تلوكه الألسن في كل وقت وحين، مثله في ذلك مثل أحلام وعبدالله بالخير وتوفيق عكاشة، ويشهد على ذلك بعض تعليقاته الغريبة في تويتر وفيس بوك ومحاضراته وبرامجه التلفزيونية والتي لا يمكن أن تصدر عن مثقف حقيقي يعي أبعاد كلامه ومدلولاته، مثل حديثه عن الملائكة التي تقاتل في سورية وخلوة الأب بابنته! وإسلام الكافر في ثلاث دقائق!، وغيرها من الآراء "الشاطحة" التي تنبئ عن حرصٍ شديد على إثارة الجدل بأي طريقة كانت. وقد وصل هذا الحرص إلى درجة الهوس وقاد العريفي إلى الإعلان يوماً عن تصوير أحد برامجه من مدينة القدس، وأي عاقل يدرك ما لهذا الإعلان من حساسية سياسية شديدة. وبعد أن حصل الجدل واللغط حول إعلانه؛ وهو ما كان متوقعاً في كل الأحوال، عاد مستدركاً وقال إنه سيصور القدس "بطريقة معينة" ولم يقصد من داخلها!.. ولكن بعد أن تحقق هدفه وحصل على تسويق إعلامي كبير. ضمن هذا السياق جاءت تغريدته الأخيرة التي وجهها إلى النجم السينمائي الأمريكي "بن أفليك" والتي شكره فيها على دفاعه عن المسلمين. يقول العريفي في تغريدته: "أردت أن أشكرك نيابة عن مليار ونصف المليار مسلم لإنصافك للإسلام". ورغم أننا جميعاً نشكر بن أفليك على موقفه الإنساني النبيل؛ إلا أن الشكر عندما يأتي من العريفي تحديداً وفي قضية إنسانية كهذه فلا شك أنه يطرح تساؤلات عدة حول ما قصده بن أفليك في تصريحه وموقف العريفي من مضامين هذا التصريح. حديث بن أفليك ركز على نقطة جوهرية وهي أن المسلمين ليسوا كلهم متطرفين ومتشددين كما يُروج عنهم في وسائل الإعلام الأمريكية؛ لم ينكر وجود إرهابيين وقتلة لكنه أكد على أن الأكثرية ليسوا كذلك. يقول أفليك "وماذا عن المليار الآخرين غير المتعصبين. إنهم لا يضربون النساء ويريدون فقط الذهاب للمدرسة وللمسجد" وذلك رداً على ضيف آخر قال إن أصل أفكار التطرف موجود في صميم الإسلام. لكن ما هي الأفكار المتطرفة التي يقصدها هذا الضيف الكاره للإسلام؟. لقد حددها في سياق كلامه بأنها ممانعة المسلمين للأفكار المختلفة وقمعهم لكل صوت يحمل رأياً مخالفاً. دفاع بن أفليك كان عن أولئك المسلمين الحضاريين الذين لا يحملون كرهاً للآخر ولا يمانعون تعدد الأصوات داخل نسيج المجتمع. أولئك البسطاء الذين يعيشون حياتهم مثل بقية شعوب العالم، تحركهم همومهم اليومية البسيطة؛ دراسة ومعيشة وعبادة؛ دون أن ينشغلوا بالحكم على الآخرين. هذا ما قصده أفليك فأين العريفي من كل هذه المعاني الإنسانية؟ لو تأملنا في خطاب العريفي خلال السنوات الماضية لوجدنا أنه يقف على الضد تماماً من كل ما قصده بن أفليك. فقد احتفى في يوم من الأيام بالجماجم والجثث؛ ودعا للجهاد من منبر مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، كما شتم الصحفيين "وبصق عليهم!"، إلى جانب موقفه الرافض لقيادة المرأة للسيارة، وتحامله على بقية الطوائف الإسلامية.. كل هذه المواقف؛ وغيرها كثير؛ تُخرج العريفي تلقائياً من الفئة التي دافع عنها "أفليك" في تصريحه الشهير. الأمر الآخر يتعلق بموقف العريفي من السينما ومن الفنون بشكل عام، فالمعروف أن "أفليك" نجم سينمائي كبير في فضاء هوليوود ولا شك أنه يقدر عمله ويؤمن به إلى درجة تجعله لا يقبل منع وإقصاء السينما من قبل القوى المتشددة في العالم وليس في الدول الإسلامية فقط. وعندما يأتي العريفي ليشكر النجم الأمريكي فإن هذا يشير إلى عدة أمور: أولها أن العريفي يعتبر نفسه ضمن الفئة التي دافع عنها أفليك، وثانياً أنه يحترم الفنان الأمريكي ويعترف بقيمته ونجوميته، وهذا الاحترام ينسحب أيضاً على مهنته وعلى المجال الذي يعمل فيه؛ المجال السينمائي؛ فهل العريفي في واقعه يحترم السينما؟. الرأي المشهور له أنه يرفض الأفلام التي تظهر فيها الممثلات والموسيقى؛ أي ببساطة هو يرفض كل ما يمثله بن أفليك من قيمة في مجال السينما. بالطبع من حق العريفي أن يرفض وأن يقبل ما يريد، لكن عندما تربط موقفه من السينما بمواقفه من قيادة المرأة وتوظيفها، ومن الطوائف الأخرى، ومن التيارات الفكرية التي تخالفه، فإنك لن تجد مبرراً لتغريدته الشاكرة للنجم الأمريكي سوى حرصه على التعلّق بأهداب أي قضية تثير المجتع؛ بحثاً عن وهج الإعلام..