يسر الله لي هذا العام أداء فريضة الحج برفقة العائلة وهي أمنية طالما انتظرتها منذ سنوات، وقد كانت المخاوف من المصاعب والمشاق التي تصاحب أداء الفريضة خاصة بالنسبة للعائلة وللنساء المرافقات. أحد أسباب التردد نتيجة ما كنت أتوقعه من التزاحم ومشاكل المواصلات والتنقل بين المشاعر والإقامة والسكن وصعوبة تلبية الخدمات المقدمة لهذا العدد الهائل من الحجاج، وهي مخاوف تبخر أكثرها - إن لم يكن جميعها - بعد أن أديت الفريضة - والحمد لله - فقد كان واضحاً في كل مكان سلامة التخطيط والتنظيم سواء بعيد المدى الذي يتمثل في المرافق والطرق والجسور والبنى التحتية أو التنظيم الميداني خاصة في إدارة الحشود وبالذات عند محطات قطار الحرمين. حيث يتم تفويج الحجاج بدءاً من المطار مروراً بمحطات قطار الحرمين وانتقال الحجاج بين المشاعر، وليس ذلك فقط، بل تعامل رجال الأمن الذين كان واضحاً أنه قد تم تدريبهم وإعدادهم وتوجيههم لحسن معاملة الحجاج ومساعدتهم وإرشادهم وبذل العون لهم، بل حتى تحمل عدم تحلّي بعض الحجاج بالصبر وعدم استجابتهم لمحاولات التنظيم والتقويم رغم أنها لا تتجاوز عشر إلى خمس عشرة دقيقة على الأكثر عند محطة القطار الواحدة، وهو أمر يوجب على متعهدي حملات الحجاج خاصة القادمين من بعض دول جنوب آسيا، وآسيا الوسطى وإفريقيا توعية هؤلاء الحجيج لضرورة الاستجابة للتعليمات والتحلي بالصبر لأن ذلك يتم في سبيل التسهيل عليهم وحماية أرواحهم مع أنني شاهدت بعض المواقف القليلة التي تصرف فيها بعض أفراد الأمن بما لا يتفق مع السلوكيات الأغلب لدى زملائهم. حيث أغلق أحدهم البوابة أمام مجموعة من الحجاج وتسبب في التأخير لولا تدخل أحد زملائه وتداركه الموقف. ولما كان الكمال - لله وحده - وأن أي عمل خاصة في مثل هذه الظروف التي تصاحب أداء الفريضة واجتماع هذا الكم الهائل من الناس في بقعة محدودة مهما تم توسيعها عاماً بعد عام فإن الأخذ ببعض المقترحات - التي تهدف إلى مزيد من اليسر والسهولة وتحسين الخدمات - يبدو ضرورياً خاصة أن الدولة - أيدها الله - حريصة على ذلك كل الحرص. حيث تقوم لجنة الحج العليا في نهاية كل موسم بتقييم أداء الجهات المساهمة في تنفيذ خطة الحج سنوياً والعمل على تذليل الصعوبات وتطوير الإجراءات وتحسينها، ومن ذلك توجيه اهتمام أكثر لنظافة المشاعر، حيث تتراكم المخلفات بسبب صعوبة تنقل الآليات التي تقوم بجمعها ما يستدعي البحث عن حلول غير نمطية لمثل هذه المشكلة قد يكون منها نقلها بعربات مخصصة لها ملحقة بالقطار أو حتى بالطائرات العمودية لأن بقاءها على هذه الحال يؤثر على صحة الحجاج وإصابتهم بالأمراض التي يسهل انتقالها في مثل هذه التجمعات. وكذلك فإن إيجاد سيور متحركة كتلك الموجودة في المطارات سوف يساعد كبار السن من الحجاج والمرضى على الانتقال خاصة في المناطق والجسور المؤدية للجمرات صعوداً ونزولاً. أما ظاهرة الافتراش التي كان تنظيم حج المواطنين والمقيمين يقصد القضاء عليها فهي مازالت بحاجة إلى مزيد من الإجراءات للقضاء عليها نهائياً وعلى ما تتسبب فيه من مشاكل وإعاقات لحركة الحجيج. وأما بالنسبة للقوى الأمنية المشاركة في خدمة الحجيج بما في ذلك الشرطة والمرور والدفاع المدني التي يتم استنفارها كل موسم فقد يكون مجدياً أن تكون هناك قوة خاصة تحت مسمى (أمن الحج والعمرة) مثلاً تشمل كل التخصصات التي تقوم بها القطاعات الأمنية المختلفة ويكون عددها مناسباً وكافياً بحيث يكون عملهم طوال العام متابعة خدمات الحج والعمرة، ويتم تدريبهم وإمدادهم بالمهارات والكفايات التي تمكنهم من أداء هذه المهام بجدارة وعلى مستوى رفيع. وبذلك نتجنب الاستنفار الذي يتم كل موسم ونقل الكوادر بما فيهم طلاب الكليات العسكرية من مناطق بعيدة، وكذلك الارتقاء بمستوى الخدمات وتطويرها نتيجةً لتكرار الممارسات والخبرات، والله من وراء القصد. أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي