وجهتا النظر المتضادتين عند الحديث عن الاطعمة المعدلة وراثية، تتلخصان في مؤيد لها لفائدتها الاقتصادية ودورها في تحسين الجودة وتقوية مقاومتها ضد عوامل تؤثر عليها سلبيا وبين رافض للفكرة أساسا بدعوى الحفاظ على التوازن البيئي وتخوفا من وجود أخطار جانبية نتيجة التعديل الوراثي، وكلا وجهتي النظر تستند إلى أساس منطقي مقبول؛ فالأولى تتحدث عن الانتاجية عن النقص الغذائي وعن أهمية ذلك في تخفيف التكاليف الاقتصادية على المزارعين وتحسين نوعية المنتجات الزراعية، والثانية تستند إلى مخاوف لها أساسها المنطقي فكل شيء جديد يجب أن يخضع للمراقبة خوفا من تبعات خفية قد لا نعلمها. قوانين كثيرة وقواعد رقابية تم استحداثها نتيجة للتطور التقني الوراثي وتوسيع استخداماته في هذا المجال. الآن ومع كثرة إصابة المواشي والطيور بأمراض مختلفة بعضها وبائي ومع كون بعضها وسيطا لانتقال هذه الأمراض وتحور الفيروسات المسببة لها كي تصيب الإنسان، يكثر الحديث عن مفهوم "التعديل الجيني"، فهناك كثير من المجموعات البحثية التي تدرس فكرة التعديل الجيني لتقوية مقاومة الطيور مثلا لإنفلونزا الطيور وهذه فكرة جيدة وتطبيقها يمكن أن يكون سهلا وسريعا باستخدام التقنيات الحيوية المعملية أو باستخدام التهجين والذي يأخذ وقتا أطول، النقاش في هذه الحالة هو بين اختيار وسيلة التطبيق هنا، هل هي التقنيات الحيوية مثل "التحرير الوراثي" وهي تطبيق التعديل الوراثي باستخدام التقنيات المعملية أو باستخدام طريقة "التهجين" أي التعرف على السلاسات الحيوانية المقاومة لفيروس معين مثلا واستخدامها في التهجين للحصول على أجيال تحمل خاصية مقاومة هذا الفيروس مثلا؟ النقاش يطول في هذه المسألة وهو نقاش مهم لأن كلا طرفي النقاش يبحث عن المصلحة العامة، وكلا الطرفين يكمل الآخر، فالأمن الغذائي والجودة الغذائية لا يكونان على حساب أمور أخرى. قد يقول البعض ان التهجين أيضا هو صورة من صور التعديل الوراثي وهذه عبارة صحيحة، لكنه لا يتم معمليا في كل خطواته وهذا هو رد المتخوفين. النقاش هنا ليس خلافا بين من يسعى للتطوير ومن يرفضه، بل هو تجمع وجهات النظر لوضع خطة عملية للوصول لنتيجة مفيدة. وفي النهاية ستستمر التجارب المعملية، فهناك مشاريع لبنوك حيوية لحفظ عينات مرجعية لسلالات حيوانية مختلفة، هناك تجارب لتطوير تقنيات "التحرير والتعديل الجيني" ومع استمرارية التجارب سيتم استحداث القوانين الأخلاقية التي تحكم التطبيق والتي أساسها التوازن في تحقيق المصالح والفائدة وعدم الإضرار.