متفقون أننا أمام واقع عربي أُريد له بتخطيط أو سوء تدبير أن يكون حاضناً للتخلف، والتشدد، والتشكيك، وقبل ذلك مصدراً لتمرير مصالح القوي على حساب وحدة المجموع، وأكثر من ذلك تحقيق غاية إرهابيين في الوصول إلى الخلاقة المزعومة بأي وسيلة.. ووصلنا معه إلى حالة من اليأس، والإحباط، والتأزيم؛ لدرجة أن سيناريو مشهد المنطقة استعصى على الفهم، والتحليل، وربما التنبؤ بماذا يراد له أن يكون في المستقبل. مشهد مرتبك، فوضوي، خارج عن النص؛ فما يحدث في سورية والعراق -وهو ما يعنينا- تحوّل إلى قصة لا يموت فيها "الشرير" في النهاية، ولكن يبقى لأجزاء أخرى بحثاً عن الإثارة، والتشويق، وربما مزيداً من التدمير، وهذا الوصف كما هو يمكن أن نبني عليه فهماً متواضعاً لسر بقاء بشار الأسد طوال هذه المدة، والتضحية ب"نور المالكي" في الوقت الذي سبق شن الحرب على "داعش" -وربما يعود لاحقاً-، وظهور الحلفاء الجدد في سماء المنطقة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن ضربات موجعة للإرهابيين.. ثم ماذا بعد؟، هل ستنتهي الحكاية؟، أم أن أحداثها لم تسخن بعد ولم تصل إلى حد العقدة بحثاً عن الحل؟ الواقع أن تردد الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة السورية كان سبباً مباشراً وقوياً للحال التي وصلت إليه المنطقة اليوم، ومهما حاولت أن تتنصل من مسؤولياتها بإلقاء التهم أو زلات اللسان فهي لن تغيّر من الموقف شيئاً، رغم "ضغط النخب" الأمريكية على إدارة أوباما بعد مقتل الصحافيين الأمريكيين، وذريعة الخوف على أمن إسرائيل، وخشية فقدان الهيبة، و"برستيج" الحضور الدولي، ومع كل ذلك لن تصل إلى حل؛ لأنها باختصار لا تريده على الأقل في هذا التوقيت. تصريح "جوبايدن" نائب الرئيس الأمريكي عن دعم حلفائهم في المنطقة لمنظمات إرهابية وذكر بالنص: "تركيا والسعودية والمقيمين في الإمارات" لم يكن مجرد زلة لسان، ولا يفترض - بحكم منصبه السياسي الرفيع - أن نحمله سذاجة على ذلك، ولكنه رسالة، وبالتالي - وهو الأهم - أن ندرك أن إقحام السعودية لم يكن مبرراً؛ فكيف بدولة تكافح الإرهاب بأنظمة حازمة، وتواجهه على الأرض بيدٍ من حديد، وتناصح من سلك طريقه جهلاً وتغريراً، وترسل أبناءها لقتاله في الخارج، وتتحمل جزءاً كبيراً من فاتورة التكاليف، وتوقع اتفاقيات ثنائية بين الدول، وتدعو إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب ثم تتهم بأنها تدعمه!، أمر غريب ومريب، وأيضاً كيف يكون الحال مع الأشقاء في الإمارات حينما يصف "بايدن" المقيمين فيها بدعم الإرهاب وهم أهلها وأبناؤها ممن عرفهم التاريخ قبل غيرهم في الوقوف مع قضايا العدل والسلام والإنسانية. لماذا تجاهل "بايدن" إسرائيل وهي تمارس إرهاب الدولة ضد الأبرياء في فلسطين؟، ولماذا صمت عن مذابحهم وتدميرهم واستيطانهم؟، ولماذا سكت عن إيران التي تدعم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان؟، ولماذا تجاهل دور أمريكا قبل ذلك في العراق، وتحويله إلى ساحة صراع طائفي وصل إلى حدٍ لا يطاق؟، ثم مع كل ذلك ماذا يريد أن يصل "بايدن" وهو يدرك أن "السعودية" ذات نفس طويل، وصبر كبير على تحمل مسؤولية الإخفاق الأمريكي في المنطقة، ويدرك أيضاً أن ثقلها السياسي والاقتصادي وقبل ذلك الإسلامي ليس من السهل أو المنطق أن يتحدث معها بهذه اللغة. اتفقنا مع أمريكا كثيراً واختلفنا معها أكثر في قضايا المنطقة والعالم، ولكن التزمنا فيما بيننا بتعاون وثيق، ومصالح مشتركة، ولذا، المملكة لم تعلن رسمياً موقفها من اتهام "بايدن" ولم تطلب اعتذاراً كما فعلت تركيا، أو توضيحاً كما نادى به الأخوة في الإمارات، ولكنها تريد أن تستمر في مكافحة الإرهاب، وهذا هو الأهم في هذا التوقيت.