عندما أدار ظهره ومضى.. لم يكن ينوي إطلاقا أن يهجر تلك المرأة السمينة «الملسنة» التي لا تكف عن الكلام.. ولكنه آثر أن يرتاح قليلا من عناء تلك السنوات المريرة والطويلة التي قضاها وهو يرقب ازدياد شحومها ولحومها وطول لسانها، ويقسم أنها كانت عندما تغضب تتحدث بعشرة ألسنة.. فصوت له فحيح كالأفعى.. وصوت مبحوح وعريض كأصوات الرجال، وصوت صاخب يسمعه الذي في آخر الدنيا.. ويقسم أن بها جنا يتحدثون الفرنسية والإنجليزية.. فعندما تزبد وترعد ترسل الشتائم بكل لغات أهل الأرض، وهي لم تتعلم هذه اللغات إطلاقا لا في المدرسة ولا في بيت أهلها.. ولا بالاحتكاك وهي لم تبرح حي العيدروس لا هي ولا عائلتها.. فمن أين تعلمت الشتم بالإنجليزي؟ وتنفس أخونا وزفر زفرتين، ثم أردف: تصور أن لها حاسة شم عجيبة جدا.. فهي تشم أشياء لا وجود لها.. فهي تسألني دائما: من أين هذا البرفان النسائي وأكاد أجن.. فليس في ثيابي أية رائحة مما تدعيه.. وعندما أتأخر قليلا بفعل الكرب الذي أعانيه من هذه المرأة تقيم الدنيا ولا تقعدها.. وتحلف أيمانا غليظة أنني متزوج بامرأة أخرى.. المهم يا أخي.. أنني حاولت أن أرتاح منها ومن غلبتها.. فسافرت إلى مدينة قريبة داخل المملكة، ولكنني فوجئت بها بعد ثلاثة أيام تهاتفني من المطار، لقد وصلت الكارثة إلى تلك المدينة التي هربت إليها ومعها الأولاد. بالله دلني ماذا أفعل؟ هل أطلقها ولدي منها أربعة أطفال، وهذا مستحيل فأطفالي صغار.. لقد عرضتها على عشرات الأطباء، وقد أخبرني أحدهم أن غددها تفرز كل هذه السمنة والشحوم عندما تغضب، وهو يطلب مني أن لا أغضبها حتى لا تنفجر.. وقد تعمدت أن أخالف نصيحة الطبيب، ولكنها لم تصب بسوء ولم تفرقع، وإنما الذي اعتلت صحته هو أنا.. إنني أعاني من صداع مزمن بسببها.. بربك ماذا أفعل؟ الجواب أخشى أن أقول لك اقذف بها في الفرن.. لتذيب شحومها، فأكون بذلك قد أذنبت ودفعتك إلى إثم لا مبرر له.. وأخشى أن أقول لك اطردها من الباب فتعود لك من الشباك.. المهم امتثل لأمر الله واصبر، وعليك مواجهة هذه الكارثة بقلب شجاع.. أعانك الله.