×
محافظة المنطقة الشرقية

17 قتيلا في هجوم انتحاري شمالي بغداد

صورة الخبر

تلتقي أهداف التربية كما تحددها المجتمعات مع أهداف الأديان السماوية في نقطة واحدة وهي بناء الإنسان، وإذا كانت التربية تهدف إلى تحقيق التوافق والتكيف بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها، فإن التربية الإسلامية تضيف إلى ذلك بعدا آخر وهو وجوب التزام الفرد المسلم بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، من قيم وسلوكيات ينبغي له أن يدركها إدراكاً واعياً يتجسد في تطبيقه لها. أي التلازم بين التنظير والتطبيق، فليس من الدين أن تبقى مفاهيمه مجرد طقوس تُؤدى دون أن يكون لها انعكاس على سلوك المسلم وتصرفاته ومعاملاته وإنتاجه. حري بنا في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها إعادة تصحيح مناهج المواد الدينية وطرق تدريسها، وتنقية أذهان المعلمين من التطرف، كذاك الممزق للكتاب المدرسي لأن فيه صور فتيات، وتهيئة المشرفين ومؤلفي المقررات للقيام بهذه المهمة، بإغناء الإطار المرجعي المألوف وتأسيسه لاستيعاب القيم الدينية المنبثقة من القرآن والسنة النبوية كشفت الأحداث الإرهابية التي مارسها بعض المواطنين العاقين في الداخل والخارج، عن انحراف العملية التربوية والتعليمية عن الخطوط السوية، على أيدي بعض المعلمين الذين لم يلتزموا بتدريس المناهج الدينية كما هي، بل عمدوا إلى تسييسها وفقاً لأيديولوجية تعبوية كانوا هم قبل غيرهم ضحية لها، على أيدي الإخوان المتأسلمين الذين قاموا بتسييس المؤسسات التعليمية، بالتواطؤ مع بعض المسؤولين عن التعليم، إما بالمشاركة وإما بالصمت وغض الطرف عما يحدث، ما أدى إلى نشوء انفصام كبير بين التعليم والممارسة، بين المنهج وحياة الطالب اليومية، فعلى الرغم من كثرة المقررات الدينية والصرامة المنهجية التي تصاحب تدريسها، علاوة على الضخ الديني اليومي في المساجد ومدارس تحفيظ القرآن، والمخيمات الصيفية، والبث الإعلامي عبر الفضاء، إلا أننا نجد خللا كبيرا في سلوك كثير من الأفراد الذين تربوا على هذا المنهج الديني الصارم كبارا وصغارا، ما يعني أن المؤسسة التعليمية والخطاب الديني الرائج، لم ينجحا في تكريس القيم الإسلامية في نفوس الناس، وجعلها ممارسة وسلوكا وأسلوب حياة!! لكنها نجحت في التركيز على الهيئة الخارجية في الملبس والمظهر الشكلي، كمؤشر على التقوى والورع!! وقد نشط في هذا الجانب خطاب دعوي صارم إعلاميا وثقافيا وتعليميا ومجتمعيا، وبالغ فيه بعضهم حتى تحول الدين إلى خصوصية مجتمعية وليس أمرا ربانيا. يأتي على رأس تلك الخصوصية المظهر الخارجي للمواطن رجلا كان أم امرأة حتى تحولت تلك الشكلانية المظهرية إلى مبالغات باتت هي الحكم على تدين الإنسان، بل صارت معيارا يتم بواسطته تقييم الناس وتقديم من يوحي ظاهره بالتدين على من كان ظاهره لا يوحي بذلك، مما أدى إلى انتشار النفاق والكذب للحصول على ميزات قد يحرمون منها لولا ذلك المظهر، حتى انتقل ذلك المسلك إلى الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وصار وسيلة يتلبس بها بعض الوافدين لنيل القبول، حتى تزيا بها بعض اللصوص والمنحرفين، فصاروا أئمة مساجد، ومعلمي مدارس تحفيظ القرآن، ورقاة ومسؤولي جمعيات خيرية وغيرهم، ممن دأبت الصحف على كشف مظاهر انحرافهم. كلنا يعلم أن القرآن الكريم يدرّس منذ السنة الأولى الابتدائية وفيه كثير من القيم والآداب التي تحض المسلم على التمسك بها، هذه الآداب، لو دُرّست كما ينبغي لكنّا أحسن شعوب العالم رقيا وتهذيبا والتزاما بما يجب علينا أن نفعله. لكن لأن بعض المعلمين المؤدلجين وغيرهم من أصحاب الأجندات المتطرفة - لا يطبقون السلوك القرآني في تعاملاتهم، تشهد على ذلك تصرفاتهم مع مخالفيهم، كما أن لديهم موقفا عدائيا مع المجتمع الذي يعدونه مجتمعا كافرا - فإنهم لا يبذلون جهدا كي يثبتوا القيم الإسلامية الحقة في نفوس الدارسين، لأن ذلك لو حدث فإنه سيرسخ سلوكيات راقية تختلف عن السلوكيات التي يريدونها في معركتهم ضد المجتمع، وهي تقسيمه إلى فسطاطين - حسب تعبير المقبور ابن لادن – مؤمن وكافر، فعملوا على ترسيخ القسوة والعنف والتعصب والكراهية والقتل وسفك الدماء باسم الدين. أولئك دوغمائيون يتسمون بسمات أبرزها قدرتهم على إقامة حواجز معتمة بينهم وبين الأفكار والثقافات الأخرى والمجتمع الذي يعيشون فيه، واعتبارهم أيّ خلاف مع الآخر حتى - لو كان بسيطا - خلافاً جوهرياً يعدون لمحاربته كل ما استطاعوا من أسلحة مشروعة وغير مشروعة، وهم إلى ذلك يرفضون أيّ دعوة للتقريب بين وجهات النظر وإزالة مواطن سوء الفهم، ويتوج ذلك كله مقدرة عجيبة على التعايش في جو من التناقضات داخل البناء الفكري والثقافي نفسه - خصوصا ما يتعلق بالمرأة وما يصطلحون على تسميته بالاختلاط في بيئات غير آمنة – فوقع في هذا التناقض بعض من دعاة ومسؤولين ائتمنوا على مساندة التوجه الإصلاحي للملك – حفظه الله - كل هذا كي يضمنوا لأنفسهم التفوق والتميز وتحقيق مكانة اجتماعية ما كان لهم أن يبلغوها لولا ذلك السياج من الأفكار المتطرفة التي تلبسوا بها، علاوة على الشكلانية الدينية التي تجعل أجهلهم يتصدر المجالس ويُقدم على كبار السن والشأن! ومن حيث ما يقدمه خطابهم للمتلقين، فهم يقدمون لهم معلومات لا تقبل النقاش أو الحلول الجدلية، ويتجرأون على فصل القضايا الدينية عن سياقها الذي جاءت فيه، فإما أن يصدقوا ما يقولونه ويؤمنون به إيمانا مطلقا وهذا شأن الأكثرية المغيبة، وإلا فإنه يُنبذ أي يطرد من الجماعة فيخرج من دار السلم إلى دار الحرب حسب التقسيم الجيوديني لابن تيمية، وهو ما يحدث اليوم من تقسيمهم المجتمع، حيث يحتلون هم وأتباعم المغيبون ذهنيا، دار السلم، أما دار الحرب فيقطنها الكتاب والمبدعون وبعض المسؤولين، وكل من تجرأ وأعلن أن له عقلا لا يستطيع تأجيره لأحد. وبنظرة عجلى إلى السلوك والممارسات التي تشاهد في مجتمعنا، نصاب بالدهشة من مخالفة تعليمات الدين فيما يقوم به بعض الأفراد، ما يؤكد أن ما تعلموه وما سمعوه شيء، وما يمارسونه شيء آخر، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، التي يحرص معظم الناس على تأديتها، باتت مجرد حركات رياضية، فلا تأثير لها على من يمارسه بعضهم من انحراف سلوكي. وقد دأبت الصحف على نشر وقائع وأحداث يقوم بها أناس لم نكن نتوقع أن يأتوا بها، لفرط حسن الظن بهم، نظرا لمراكزهم ووظائفهم الدينية، منها التزوير والفساد المالي واستغلال السلطة، وشهادة الزور، والفساد الأخلاقي بضحايا من نسوة مريضات أو صبية وفتيات قاصرات، ناهيكم عن التعدي على الآخرين بفحش القول على مواقع التواصل الاجتماعي، والمدهش أن من يقوم بذلك بعض المنتسبين للدين. أما التزوير فقد انتشر في بلادنا في الفترة الراهنة بصورة لافتة للنظر حتى بات آفة من الآفات التي تنخر بنية الوطن على كافة الأصعدة؛ أمنيًا وإداريًا وتعليميًا وصحيًا وحقوقياً وتجارياً، وما يثير العجب هو جرأة مرتكبيه التي فاقت كلّ الحدود، أولئك الذين باتوا ملة كبيرة؛ بعضهم مواطنون، منهم أساتذة جامعات وموظفو دولة وبلديات وقضاة وكتاب عدل ودعاة وتجار وبسطاء. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد صادرت الدولة آلاف الكيلو مترات من الأراضي الحكومية التي تواطأ كتاب عدل وقضاة ورجال أعمال ومتنفذون على تزويرها، كما أصدرت المحكمة العامة بمحافظة النماص شمالي عسير حكماً بالسجن لمدة عامين و300 جلدة على مدير أحد البنوك المحلية في المحافظة، إثر المضايقة والابتزاز والتحرش بفتاة سعودية، كما أدانت الدائرة الجزائية في المحكمة الإدارية في إحدى المناطق أربعة من قياديي جامعتها، بتهمة تزوير شهادات خبرة وتعبئة نماذج خاصة بالتثبيت لمواطنات قريبات لهم. ونجح بعض المواطنين بتزوير شهادات دكتوراه وماجستير، وتزوير قوائم موظفي القطاع الخاص، بإدراج أسماء وهمية للاحتيال على السعودة، كذلك تزوير أسماء من تشملهم مخصصات الضمان الاجتماعي ومكافأة حافز، حتى أنهم أدرجوا أسماء أمواتٍ ومفقودين، بل وصل التزوير من قبل بعضهم حدّ بيع جنسية مواطن أو مواطنة متوفاة لأجانب، أو ضم بعض أبناء الوافدين إلى دفتر عائلته بمقابل مادي، ليصبح ابن الوافد ابناً لذاك المواطن السعودي الذي لا يستحق أن يكون مواطناً. أما الفساد الأخلاقي فقد استشرى بين من يمتهنون مهنا دينية أو لها علاقة بالدين كمعلمي تحفيظ القرآن، وبعض الرقاة، وحتى لا يقال إني أتقصد تلك الفئة، أقول إن هؤلاء محل ثقة الناس، وإنهم بحكم صلتهم بالدين ينبغي أن يكونوا أكثر بعدا عن الفساد، وعدم استغلال مواقعهم ليمارسوا شذوذهم، ومما أوردته الصحف على سبيل المثال، الحكم على أحد ممارسي الرقية الشرعية في جدة بالسجن لمدة سبع سنوات والجلد 1500 سوط لتحرشه بالنساء، وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض حكماً بسجن "معلم تحفيظ قرآن" سعودي لمدة عشر سنوات ومنعه من السفر مدة مماثلة، لارتكابه عدة جرائم منها إقامة علاقة هاتفية غير شرعية مع عدد من النساء، وليس بعيدا عن هذا، ذلك الراقي الشرعي الذي اعتدى على فتاة غير متزوجة بعدما أوهمها بأن داخل رحمها جني! ولا أدري هل قبض عليه أم مازال طليقا يمارس شذوذه على السذج باسم الدين؟ وأما الاتهام والسباب والشتم بكل أنواعه على تويتر، فلم يسلم من أذاه الكثير، كبيرا كان أم صغيرا، امرأة أم رجلا، فردا عاديا أم مسؤولا، وما حدث للطفلة جنى الشمري منذ أيام ليس عنا ببعيد، ولم يستح بعض من لهم حسابات على تويتر من الدعوة إلى التحرش بالنسوة اللاتي يعملن في الأسواق أو اللاتي يقدن السيارات، بل إن أحدهم حرض في حسابه على التحرش بمن تقود سيارة وأعلن أنه سيفعل ذلك بنفسه! فأي انفلات أخلاقي تلبس به أولئك الوحوش، وأي جرأة أمنت العقاب والمحاسبة جعلتهم يتمادون في الاعتداء على الآخرين، ولعلنا ما زلنا نذكر ذلك الذي وصف شريحة كبرى من المواطنين أرسلت بناتها للدراسة في الخارج بالدياثة، هكذا بكل صفاقة وجرأة، لأنه أمن العقاب، فماذا يضيره هو وغيره إن استمروا في ممارسة شذوذهم الفكري وانحرافهم النفسي على تويتر ضد شريحة كبرى من المواطنين لا تنقاد لسيطرتهم ولا تستجيب لوصايتهم عليها؟ حري بنا في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها إعادة تصحيح مناهج المواد الدينية وطرق تدريسها، وتنقية أذهان المعلمين من التطرف، كذاك الممزق للكتاب المدرسي لأن فيه صور فتيات، وتهيئة المشرفين ومؤلفي المقررات للقيام بهذه المهمة، بإغناء الإطار المرجعي المألوف وتأسيسه لاستيعاب القيم الدينية المنبثقة من القرآن والسنة النبوية الصحيحة، بالتركيز على تطبيقها تثبيتا لها في عقول الأجيال الجديدة. كما يجب وضع حد لانفلات الخطاب الصحوي الذي يدعي زورا وبهتانا انتماءه للدين، بمراقبة أولئك العابثين بأمن الوطن، والضرب على أيديهم، فلقد تمادوا كثيرا، حدّ أنه لم يسلم من عبثهم عامة الناس وخاصتهم.