يصطلح الناس للتطفل بـاللقافة، التي تعني تلقُّف الأخبار والبحث عنها وعن أسرارها، ثم نشرها والتحدُّث بها. اللقافةُ خلقٌ دنيءٌ، يبرأ منه الذوق والأدب وسمو الأخلاق، ولا يتخلّق به أفاضل الناس؛ إذ يوصف بالشخص الثقيل غير المرغوب فيه بالمجالس؛ إذ يكتم أنفاس مَن حوله، ويزكم أنوفهم، بل لا يُبقي هواءً لأكسجين النَّفَس. ولـالملاقيف رائحة منفرة، وكلمات كالسهام في الآذان طاعنة، بمكر وتحايل لمعرفة أسرار البيوت والأفراد، وهم في كل مجتمع واجتماع. فإذا تأملت مجتمعنا تجده يتميّز بالتكاتف والتعاضد في عمومه، ويدل على ذلك الترابط في العلائق الاجتماعية من زيارات، وتلبية دعوات المناسبات، والوقوف في الأحزان والمرض وغيره.. هذا الترابط من وشائجه التواصل بالسؤال ومعرفة أخبار الحال، يمتد أحياناً إلى ما لا فائدة منه؛ إذ تتحول المعرفة لأجل المعرفة، وليس لأجل التنافس أو القدوة، ويصبح الفرد متلقفاً للكلام ونقّالاً للآخرين، يلقي الكلام على عواهنه مع التبهير والتزوير أحياناً. في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال وفي آخر: من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وجاء في الأثر: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. في المقابل، تجد الإنسان المهتم بنفسه وخاصته ومصالحه ناجحاً موفقاً محبوباً مبدعاً، يشعُّ تفاؤلاً وسروراً وحبوراً، يمده لمن يجالسه؛ لأنه لم يملأ فكره وعقله بحشو علم لا ينفع! تعرف أسئلة الملاقيف بالأسئلة الآتية: بعد السؤال عن الحال يسأل تلقفاً: وين توظفت؟ كم الراتب؟ وين تسكن؟ إيجار أم ملك؟ أين ستذهب؟ ولماذا؟! ولو فعلت كذا! متى تتزوج أو من تزوجت؟! أخطأت لو فعلت لكان كذا!... إلخ! طبعاً، يعقب هذه الأسئلة الكثير من التوجيهات الجوفاء! وقفتُ يوماً للسلام على صديق ملقوف مدة نصف ساعة تقريباً، حاولت خلالها أن أسبر وأرصد لقافته كظاهرة في أخلاقنا. فبدأ يسأل، واستسلمت لأسئلته، يلاحق الوقت لمعرفة المزيد، حتى تتابعت إلى سبعة عشر سؤالاً، أعدُّها بأناملي كأني أسبح الله بها!! في المقابل هناك: مصنع في اليابان، يضع الموظفون على أكتافهم ربطة بألوان، يعني كل لونٍ رسالة لمشرف العمل، إما استشارة أو استئذان أو أنه مريض، وغير ذلك؛ لئلا يضيع وقته بالسؤال والكلام والتوقف عن العمل!! ما أروع ثقافته من شعب!! تخلّقوا بخلق من أخلاق الإسلام وليسوا مسلمين، وتخلقنا بسوء ليس من الإسلام.