نشر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط،" تحليلاً أعده مايكل نايتس، يوم 15 سبتمبر الحالي، تناول فيه إعادة ضبط العلاقات الأميركية – الكردية – العراقية، استهله بالقول: تتجلى أولى الخطوات الحيوية لهزيمة تنظيم "داعش" في تأسيس قاعدة للعمليات في كردستان العراق، التي تتمتع بموقع مثالي كنقطة انطلاق لجهود مشتركة ضد "دولة الخلافة" التي أعلنوا عنها. فقد أمست حكومة إقليم كردستان مباشرة في مرمى التنظيم، باعتبارها عدواً عسكرياً وقاعدة لإلحاق الهزائم بعناصر داعش منذ أغسطس الماضي، الأمر الذي يجعل القضاء على التنظيم أولوية قصوى بالنسبة إلى القادة الأكراد في أربيل. بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً حاسماً في صياغة صفقة من شأنها المحافظة على الائتلاف القائم في العراق لمكافحة داعش وعلى مشاركة الأكراد بصورة نشطة في القتال. يترتب على واشنطن بشكل خاص ضمان عدم عودة المفاوضات بين بغداد و"حكومة إقليم كردستان" إلى تصيّد كل طرف لأخطاء الطرف الآخر وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه كالمعتاد، في الوقت الذي يخوض فيه العراقيون معركة مميتة ضد داعش. الدور الكردي في هزيمة داعش بدأت جهود المجتمع الدولي الرامية إلى ردع تنظيم داعش في منطقة كردستان العراق، التي كانت بمثابة القاعدة لانتصارين هامين الشهر الماضي في سد الموصل وقرية آمرلي. والجدير بالملاحظة أن قوات البشمركة الكردية القوية، وقوامها 175 ألف مقاتل، تعافت بسرعة من هجوم داعش المفاجئ في أوائل أغسطس، مما يدل على مرونتها واستعدادها لتسهيل عمليات القوات العسكرية الأميركية وقوات الحكومة العراقية. إن بذل جهد دولي أوسع للقضاء على التنظيم قد يتطلب المزيد من الوقت ويكون أكثر تكلفة من دون التعاون مع حكومة إقليم كردستان، التي من شأنها أن توفر قاعدة آمنة وتسهّل الوصول المباشر إلى أكثر من ألف ميل من الخطوط الأمامية للتنظيم في شمال العراق، وعلى نحو مهم، في المناطق المأهولة بالأكراد شرقي سورية. وتشكل حكومة إقليم كردستان عاملاً حيوياً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأوسع نطاقاً في العراق. ويُعزى ذلك إلى عدة أسباب، منها استعدادها لإضافة أكثر من 200 ألف برميل يومياً من النفط المنتج في أراضيها إلى أسواق الطاقة العالمية بحلول نهاية هذا العام. وبالتالي، فبعد أن قطعت داعش خط أنابيب تصدير النفط في شمال العراق، يمكن لحكومة إقليم كردستان الآن أن تنقل وبسرعة أكثر من 120 ألف برميل يومياً من النفط الاتحادي الذي لا توجد سبل لتصديره من كركوك وذلك عبر شبكة الأنابيب الداخلية الخاصة بها. وربما الأهم من ذلك، أن تعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان من شأنه أن يقدم للبيت الأبيض خطة احتياطية ومصدراً بديلاً للضغط على بغداد في حال عدم التزام حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، والتي يهيمن عليها الشيعة، بتحقيق وعودها بضم كافة فئات المجتمع. التوقعات الكردية أوضح أكراد العراق متطلباتهم من الحكومة في عدد من البيانات التي أصدروها منذ أن تم التصديق على حكومة العبادي في 9 سبتمبر، وهي كالتالي: - دفع رواتب حكومة إقليم كردستان بأثر رجعي. - دعم قوات البشمركة وتدريبها كجزء من "الحرس الوطني العراقي". - اتفاقيات تقاسم العائدات وتصدير النفط. - انضمام المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان. التداعيات على السياسة الأميركية تجدر الإشارة إلى أن العبادي هو مفاوض صعب، إلا أن هذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً: فقد ساعده تصميمه هذا على تشكيل حكومة في ظروف صعبة، وعلى تقليص عدد أعضاء حكومته، ومقاومة الضغوطات (على الأقل حتى الآن) لتعيين النبلاء الشيعة مثل حسين الشهرستاني وهادي العامري في الوزارات الرئيسة. أضف إلى ذلك أن صرامة العبادي قد تعني أيضاً أن بإمكانه تنفيذ أي صفقة يبرمها مع الأكراد، وإقناع ناخبيه العرب بها، وضمان احترامهم لها، الأمر الذي يُشكل تغييراً موضع ترحيب عن صيغة نوري المالكي التي تقوم على تقديم الوعود الكثيرة وعدم تحقيقها كافة. من جانبها، ينبغي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام كل نفوذها المتاح للتعامل مع العبادي، وهو نفوذ كبير نظراً إلى المشاركة العسكرية الأميركية، وذلك بغية تشجيعه على تقديم عروض مبكرة وغير ناتجة عن إكراه حول تقديم الدعم المالي للأكراد، فضلاً عن متابعة الإجراءات المتفق عليها. يجب على واشنطن أيضاً أن تواصل حث رئيس الوزراء على إيلاء الاهتمام للاحتياجات الدبلوماسية لائتلاف الحرب، وهو ما تمثله العلاقة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان في الوقت الراهن. ويشمل ذلك أن يكون حساساً تجاه الضغوط المحلية على السياسيين الأكراد، الذين يجب أن يبينوا لناخبيهم أن البقاء كجزء من العراق الفيدرالي يحقق لهم فوائد ملموسة. فهذا المزيج من الإجراءات والمشاعر هو وحده الذي يمكنه إعادة بناء الثقة بين الأكراد وبغداد. وبشكل أدق، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تركز جهودها على ثلاثة أطر زمنية، مع إطلاق العمل على جميع المبادرات على الفور بسبب التأخير المترافق مع صياغة هذه السياسات وتنفيذها: * في الأسابيع المقبلة، يترتب على واشنطن ألا تطلب من بغداد دفع الرواتب العائدة لحكومة إقليم كردستان لشهر سبتمبر فحسب، بل دفعها أيضاً أقساط حصة الأكراد التي تبلغ مليارات الدولارات عن الشهور السابقة التي لم تُدفع فيها هذه الحصة. * قبل نهاية هذا العام، يجدر بواشنطن أن تشجع بغداد بقوة على استكمال مجموعة من الإنجازات الهامة على مستوى تقاسم العائدات وتمويل قوات البشمركة على حد سواء. * في عام 2015، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم المساعدة عبر طرق متعددة لدعم تصميم وإقرار قانون رسمي يُعنى بتقاسم الإيرادات، من شأنه أن يحدد الصيغ الخاصة بحكومة إقليم كردستان والمحافظات الأخرى. ولغرض تحقيق هذا الهدف، يتوجب على واشنطن تسريع برامجها التعليمية الهادفة إلى حضور السياسيين العراقيين إلى الولايات المتحدة ودول أخرى ليشهدوا على كيفية إجراء عمليات تقاسم الإيرادات الهيدروكربونية في جميع أنحاء العالم. ويُذكر أن إقرار قانون مماثل يمكن أن يمهد الطريق على المدى الطويل للعمل بدعم أميركي على إطار قانون يُعنى بالمواد الهيدروكربونية وعلى تأسيس مجلس اتحادي خاص بالنفط والغاز في الفترة 2016-2017.