قبل عدة أيام عقد المؤتمر الدولي للتعليم العالي لعام 1435هـ في دورته الخامسة بالرياض، تحت عنوان "الابتكار في التعليم العالي". وبقدر نجاحه تنظيميًا والإقبال الشديد على حضور فعالياته من قِبَل المهتمين بالتعليم العالي وقضاياه، إلا أنه في نظري ونظر الكثيرين ممن حضروا، بعث برسالة قوية وواضحة لا لبس فيها عن الدور المنتظر من التعليم العالي ومؤسساته (الجامعات) في المرحلة المقبلة. وتمهيدًا لفعاليات المؤتمر تحدّث معالي وزير التعليم العالي عن المراد من هذه التظاهرة العالمية حول موضوع "الابتكار في التعليم العالي"، حيث قال: إن هناك تغييرًا في المفهوم العام لوظيفة الجامعة وهو يتواكب مع ما حققته المملكة العربية السعودية في التقرير السنوي لمؤشر الابتكار العالمي لعام 2013م. وتأكيدًا على هذا التوجه قال: إن المؤتمر سيعرض نماذج حية لمفهوم الجامعات المبتكرة وسيتم التعرف على أنماط التحوّلات التي أحدثتها تطبيقات التقنية الحديثة في قطاع التعليم العالي، وسيقوم بمناقشة الطرائق الحديثة لتكوين المبتكرين والمبدعين بالإضافة إلى تناول موضوع الابتكار في التعليم والتدريس والمناهج. لقد تحقق ما خطّط له منظمو المؤتمر، إذ أكد كل المتحدثين الدوليين على أن الابتكار في التعليم العالي لابد أن يكون مسار ومسيرة التعليم العالي في المرحلة الحالية والمقبلة، ولا مناص من ذلك أبدًا، وإليكم شواهد على ذلك. تحدث توماس ولهيلمسون -مدير جامعة هلسنكي- فنلندا في محاضرته بعنوان: (الجامعات الرائدة مقابل الجامعات العامة: التجربة الفنلندية)، حول مشكلة المواءمة بين الكم والكيف في التعليم العالي، ملخصًا تصوره عن كيفية التعامل مع التوسع الكبير في التعليم الجامعي، والقدرة في نفس الوقت على استقطاب أفضل الباحثين والدارسين. وأكد توني تشان -مدير جامعة هونج كونج للعلوم والتقنية- على ضرورة أن يتناغم التغيير مع الثقافة المحلية وخصوصياتها، في محاضرته بعنوان: (القوة في التغيير: الجامعات أدوات للنمو الاقتصادي)، حيث شدد على (أن الجامعات التي تظل تنافسية ومزدهرة هي التي تتقبل التغيير بنجاح بينما تبقى في الوقت نفسه متمسكة بتفردها وخصوصيتها). وحين يطرح السؤال نفسه: ما هو الابتكار الذي نقصده؟ والذي سيُمثِّل التغيير المنشود الذي يدعو إليه ويُبشّر به المخلصون في التعليم العالي. يجيب ريتشارد ميللر -مدير كلية فرانكلين دبليو- الولايات المتحدة الأمريكية- قائلا: الابتكار هو توليد أفكار أصيلة ومعارف تظهر قيمتها عند التطبيق مما يُحدث تغييرًا في الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، ويحدث ذلك دائمًا عندما تجتمع الجدوى والقابلية للنجاح والاستحسان للفكرة. لكنه يؤكد على أن هذا يستوجب: 1. إيجاد عقلية جديدة مختلفة بالكامل عما يعنيه التعليم والتعلم الكلاسيكي الذي نمارسه حاليا. 2. وجود استعداد واستقلال وتكيّف فطري في التعلم. 3. الإيمان بأن الإبداع في جوهره رياضة جماعية. أما إيريك مازور -عميد وأستاذ الفيزياء والعلوم التطبيقية- جامعة هارفرد، فيُشخّص أنظمتنا الحالية على أنها تحوي في داخلها معوّقات خفيّة للتعلم، تتمثل فيما يلي: • ممارساتنا التقويمية الحالية غير السليمة (نُظُم الامتحانات). • الطريقة التي يتم بها نقل المعلومات للطلاب في المحاضرات، وفي الغالب يترتب عليها اجترار وتكرار الطلاب لنفس المعلومات التي يلقيها المعلم، من دون استيعاب لها. إنّ إحساسنا بحجم التغيير المطلوب في كامل العملية التعليمية، وحتمية اللجوء إلى حلول ابتكارية لذلك، نجد شيئا منه، حين يحدثنا لُو كسوتي -مدير جامعة ماستريخت- هولندا، وينقل لنا بعضا من نسمات الابتكار في التعلم باستخدام حل المسائل والمشكلات (PBL) من خلال تجربة جامعته، وهي من أنجع طرق التعلّم الحديثة والمطبقة في العديد من كلياتنا الطبية. أما ريتشارد ميللر، فيُلخّص في محاضرته بعنوان: (الحرية الأكاديمية، الإدارة المشتركة والقيادة في الجامعات المبتكرة)، ما أراده المنظمون من رسائل واضحة ومحدّدة لمنسوبي التعليم العالي، والتي يمكن تلخيصها في: 1. حاجة جامعاتنا لوجود كوكبة من العلماء المتميزين والأساتذة المدفوعين بالسعي الدؤوب والشغف بالبحث عن الحقيقة. 2. تأسيس ثقافة مستدامة للتميز. 3. الانفتاح على الأفكار الجديدة والابتكار. 4. التخلص من مبادئ الإدارة بثقافة القيادة والتحكم، والتي تُعيق الحرية الأكاديمية، وتحُدّ من البحوث الابتكارية، ومن تكوين فريق من العلماء المتميزين. وأختم مستعيرًا مقولته بشيء من التصرف: (إن القيادة الابتكارية فنّ يتطلب الصبر والحكمة والرغبة في الدخول في مخاطر معقولة من أجل تحقيق نتائج نرتقي بها إلى مصاف الجامعات العالمية).. إنه قطار التعليم العالي السريع، الذي انطلق أو كاد، فمن لا يملك مؤهلات (الابتكار) فسوف يفوته القطار لا محالة.. وقد لا يلتحق به ثانية.. وبالله التوفيق. taam_tm@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (110) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain