ما من شك أن الإرهاب باختلاف أشكاله ومسمياته وشعاراته – سواءً كان إرهاب الجماعات أو إرهاب الدول – يشكل خطراً داهماً يتهدد حياة الأبرياء وأمن واستقرار المجتمعات ونمط حياتها وسلمها الاجتماعي ومصادر عيشها، ويهدد أيضاً الأمن والسلم الدوليين، كما أن دعم الإرهاب وتمويله واستثماره من أي جهة كانت أشد من الإرهاب ذاته، ففي هذا الدعم - أياً كان شكله ومصدره وأسلوبه -، حاضنته الخصبة ومصدر قوته واستمراره، والحرب على الإرهاب على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية واجب انساني وحضاري وديني، يحتم تضافر كل الجهود وتكاملها وتفاعلها ضمن إطار شمولي متعدد الوسائل والآليات الفكرية والثقافية والاقتصادية والإعلامية والأمنية والعسكرية، على أن تكون أولوياتها موجهة لتجفيف منابع الإرهاب ومصادر دعمه المادية والفكرية، لأن أي حرب أياً كانت أسلحتها ووسائلها وتحالفاتها واتساع نطاقها بدون تجفيف منابع دعم الإرهاب وتمويله لا يمكن لها أن تقضي عليه بقدر ما ستصقله وتوسع من خارطة انتشاره، وتولد المزيد من قاعدته الجغرافية والاجتماعية، ولهذا أدرك الأشقاء في المملكة العربية السعودية من وقت مبكر لخطورة النتائج العكسية المترتبة على استمرار هكذا حرب غير منظمة وبدون تجفيف منابع دعم الإرهاب، وجاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لقادة وعلماء الأمة الإسلامية بأن يتحملوا مسؤولياتهم التي تفرض عليهم الوقوف صفاً واحداً لمواجهة آفة الإرهاب الخبيثة، بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي الذي ظل صامتاً أمام تمدد هذه الآفة التي يمكن أن تطال العالم كله. إن قضية إنشاء تحالف دولي للحرب ضد الإرهاب الداعشي والقضاء على خطره وصولاً إلى تدمير هذا التنظيم تمثل في ظاهرها مهمة انسانية ملحة ونبيلة تخدم شعوب الدول المتضررة من إرهاب هذا التنظيم وتفرعاته، وتصب في خدمة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، لكن التجارب العملية المعاشة وتلك المحفورة في ذاكرة الأجيال وصفحات التاريخ تفرض الاستفادة من الدروس والعبر والحقائق التي تتقاطع مع حقيقة الشعارات والنوايا المرتبطة بمثل هكذا حرب، ومن أبرز الحقائق والعبر التي يجب الوقوف أمامها بعمق تتمثل في رفض العديد من الدول الغربية بشكل قاطع وضع تعريف دولي مجمع عليه لمفهوم الإرهاب، وكذا رفضها لصياغة أسس تشريعية وقانونية واضحة لمحاربته، فالإرهاب بالنسبة لها مفهوم سياسي هلامي قابل للتشكل والتوظيف والاستخدام بما تقتضيه حاجتها ومصالحها، واستخدامه كأداة سياسية في تحقيق أهدافها واستراتيجيتها الأمنية والاقتصادية، ومدخل ومبرر لحروبها ضد الآخر، كما أن الكثير من هذه الدول تستخدم الإرهاب بمختلف وسائله ومسمياته ومكوناته وشعاراته أداة من أدواتها السياسية في تحقيق أجنداتها، وفي الكثير من الحالات تتم صناعته داخل مؤسساتها الاستخباراتية التي تتولى رعايته ودعمه وتمويله وإعداده بمقتضى الحاجة إلى استخدامه، ولهذا فبعض التنظيمات الإرهابية انتهت بانتهاء المهام المناطة بها، وبعضها الآخر مازال مفعولها طويل الأجل، فالقاعدة - مثلاً - التي تم إنشاؤها كإحدى أدوات الحرب الباردة لضرب الوجود السوفييتي في أفغانستان جرى إعادة تأهيلها للاضطلاع بمهام أخرى في المنطقة برمتها، وبسببها عانت الكثير من دول المنطقة ومنها اليمن التي كانت ومازالت الدولة الأكثر تضرراً من إرهاب هذا التنظيم الذي يعتبر أنموذجاً للتنظيمات الإرهابية متعددة الوظائف والمهام المباشرة وغير المباشرة طويلة الأمد، التي أساءت للإسلام، وساهمت في تشويه صورته الناصعة وقيمه السامية المرتكزة على مبادئ وقيم السلام والوئام والتسامح ونبذ العنف والتطرف والغلو، ونبذ الكراهية والحقد والانتقام.