صحيفة المرصد: لم ينجح الاتفاق الذي ابرم بين الحوثيين والحكومة اليمنية في رفع قبضة الجماعة الشيعية عن العاصمة التي تعاني من ممارسات طائفية تنذر بحرب أهلية. يقول عبدالله السعيدي،إمام وخطيب جامع الخير، وسط العاصمة صنعاء، "جاؤوا إليّ بأسلحتهم، وأخبروني بأن المسجد أصبح في حوزتهم، وأنّ هناك خطيب بديل". ويقول شهود عيان وفقا لشبكة إرم نيوز إن صنعاء كانت حتى سيطرة الحوثيين عليها، مدينة متعددة المنابر ونموذجا للتعايش والتنوع، وما إن قبضت الجماعة عليها (في 21 سبتمبر/ أيلول الجاري) حتى باتت تواجه مصيراً ملفوفاً بكثير من المخاطر، ربما أخطرها على الإطلاق هو "قتل روح المدينة المسالمة وذات التركيبة السكانية المتنوعة". ومن المفارقات، أن أمس الجمعة يوافق الذكرى الــ52 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، الثورة التي طوت في العاصمة 1962، صفحة الملكية وحكم الأئمة الزيديين (المذهب الذي تنتمي إليه جماعة الحوثي) في اليمن، والتي كان أول أهدافها "ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﻣﺨﻠﻔﺎﺗﻬﺎ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻢ ﺟﻤﻬﻮﺭﻱ ﻋﺎﺩﻝ ﻭﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻔﻮﺍﺭﻕ وﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ". وتُتهم جماعة "أنصار الله" بأنها تسعى للانقلاب على الحكم الجمهوري وإعادة سلطة الأئمة. وحسب شهود عيان من أكثر من حي بالعاصمة، فإن حوثيين أجبروا الكثير من خطباء الجمعة على النزول من المنابر واستبدلوهم بخطباء يتبعون جماعة الحوثي الشيعية. وداهم مسلحون حوثيون، حسب شهود العيان، جامع "الإمام الشوكاني" القريب من منزل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وانزلوا الخطيب من منبره، واستبدلوه بخطيب آخر يتبع جماعة الحوثي، كما اقتحموا جوامع أخرى بينها "الخير" و"الحمزة" وجامع "ذو النورين" وسط وشمالي صنعاء. ولم تشهد صنعاء، في التاريخ الحديث، صراعاً مذهبياً وفكرياً، كالذي بدأت ملامحه تظهر في الأفق، وتنذر بفرز طائفي سيكون مكلفاً في قادم الأيام، حيث بات ما يزيد عن 2 مليون يمني في صنعاء يواجهون، اليوم، مصيراً يكتنفه الكثير من الغموض. واتهم الصحفي اليمني، سامي نعمان، على صفحته بموقع (فيسبوك)، عبدالملك الحوثي، زعيم الحوثيين بـ"التأسيس لفتنة طائفية مقيتة لن تتعافى منها البلاد لعشرات السنين". وقال المحلل السياسي، غمدان اليوسفي، إن الحوثيين "يحاولون ايهام الناس بأنهم جاءوا لتلبية مطالبهم، لكنهم سرعان ما ظهر مشروعهم واﻷخطاء المصاحبة له، وكل يوم ينكشفون أكثر". وأضاف اليوسفي: "الحوثيون يستولون على المنشآت، ويقتحمون منازل خصومهم، ويفرضون مذهبهم في المساجد، وهذا يُظهر وحشية الخصومة لدى هؤلاء" مشيراً إلى أنهم بدءوا مشروع جديد أسماه "مشروع طرد الخطباء واستبدالهم بخطباء مدججون بالمذهبية". ورأى اليوسفي أن "حديث جماعة الحوثي عن الشراكة ما هو إلا مجرد دعاية سياسية ولن يتوقف الأمر حتى يحقق أهداف ذاتية إقليمية ومحلية". بدوره، نفى عضو المجلس السياسي لجماعة أنصار الله، محمد البخيتي، قيام جماعته باستبدال أئمة المساجد، قائلا إنها "ﻻ تستهدف التضييق على خطباء المساجد، أو فرض شروطها عليهم". غير أنه استدرك: "من المعروف أن صنعاء منطقة زيدية (نسبة إلى المذهب الزيدي) ومعظم مساجدها تتبع للمذهب الزيدي، لكن الوهابيين والسلفيين استولوا عليها بقوة السلاح، حينما كانت السلطة بأيديهم". وأضاف البخيتي أن "المواطنين هم من استعادوا مساجدهم اليوم، مستغلين ضعف الدولة التي كان يسيطر عليها الإخوان المسلمين والسلفيين"، دون أن ينفي انتماء هؤلاء المواطنين إلى جماعة الحوثي. وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوة وجهها بعض سكان الاحياء التي فُرض خطباء جدد على مساجدها، إلى لقاءات لتدارس هذا الأمر، في حين قال شهود عيان، إن كثير من المصلين انسحبوا من هذه المساجد وأبدوا عدم تقبلهم لاستبدال الائمة. وسقطت العاصمة صنعاء، الأحد الماضي، في قبضة مسلحي جماعة "أنصار الله"، بعد سيطرتهم على معظم المؤسسات الحيوية فيها، ولاسيما مجلس الوزراء، ومقر وزارة الدفاع، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، في ذروة أسابيع من احتجاجات حوثية تطالب بإسقاط الحكومة، والتراجع عن رفع الدعم عن الوقود. وتحت وطأة هذا الاجتياح العسكري، وقع الرئيس اليمني، مساء الأحد، على اتفاق مع جماعة الحوثي، بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، ومندوبي الحوثيين، وبعض القوى السياسية اليمنية. ومن أبرز بنود هذا الاتفاق، تشكيل حكومة كفاءات في مدة أقصاها شهر، وتعيين مستشار لرئيس الجمهورية من الحوثيين وآخر من الحراك الجنوبي السلمي، وأيضًا خفض سعر المشتقات النفطية.