نفذت فجر الثلاثاء الماضي قوى التحالف العالمي للقضاء على الإرهاب، أولى غاراتها مبتدئة بسوريا وليس العراق، وقد شاركت في الغارات دول عربية، بما فيها المملكة، ولم تقتصر هذه الغارات الجوية على (داعش)، وإنما شملت فصائل إرهابية أخرى بما فيها (جبهة النصرة القاعدية)، التي هي بمثابة الذراع العسكري للإخوان السروريين، الأمر الذي أثارهم وأظهرهم على حقيقتهم. الولولة والشجب والاستنكار والتشكيك في أهداف الحملة، كانت الصفة الطاغية على ردود أفعالهم وتغريداتهم في (توينر). وهذا يؤكد ما كنا نقوله، وتثبته الأحداث يوما بعد الآخر، وفحواه أن (التأسلم الحركي السياسي) له ذراعان: ذراع سياسي، يشمل كثيرا من الأسماء المعروفة بتأخونها أو مساندتها للإخوان في المملكة. أما الذراع العسكري لهؤلاء المتأسلمين المسيسين، خاصة السروريين منهم، فهي (القاعدة) بلا جدال. صحيح أن بعضهم حاول (الالتفاف) على الإرهاب بإدانة (داعش) والبراءة منها، لكنهم أدركوا أن السكوت عن سحق (جبهة النصرة) يعني أن الأسلمة السياسية سيجري تقليم أظافرها، بل ربما يتطور الوضع كما هو متوقع إلى المطالبة بالأسماء التي كانت تشجع وتحرض على الإرهاب، وتشحن الشباب إلى سوريا وقبلها العراق بدعوى (الجهاد)› عندها سيصبحون مطلوبين كمجرمين إرهابيين على المستوى الدولي؛ وهذا ما يخيفهم ويقض مضاجعهم، والهجوم أفضل طريقة للدفاع لذلك هاجموا الحملة؛ وليس لدي أدنى شك في أن من كان يشجع على الإرهاب بدعوى مناصرة الجهاد، ستمتد له يد العدالة عاجلا ام آجلاً، خاصة وأن الحرب على الإرهاب والمنظمات الإرهابية، اتخذت صفة عالمية مؤخراً، ولم تعد قضية تخص هذه الدولة أو تلك.. كما اتضح للغربيين أنهم جعلوا من بلدانهم ملاذا آمنا لدعاة وحركيي التأسلم السياسي، وأن من يؤوي الثعابين فلن يسلم من لدغاتها؛ فهاهم آلاف الشباب الغربيين المسلمين يلتحقون بالجماعات الإرهابية المتأسلمة، ويتبنون الخطاب الإسلامي المسيّس، ويتأدلجون، ثم يتطرفون، فيجزون رؤوس البشر بمن فيهم مواطنيهم لأنهم كفرة، وأن (دولة الخلافة) التي تُنادي بها الحركات المتأسلمة بلا استثناء لن تقوم إلا على أكوام من جماجم البشر وبرك من الدماء. وغني عن القول إن أول من حول الإسلام في العصر الحديث وفي مصر تحديدا من كونه دينا وعلاقة بين الإنسان وربه إلى (مجرد) حركة وأحزاب سياسية كانت جماعة الأخوان المصرية بعد سقوط (دولة الخلافة) العثمانية عام 1923. وهذا ثابت كحقيقة تاريخية ولا يزايد عليها إلا مكابر. ومن تحت عباءة الإخوان ظهر القطبيون، ونظرياتهم في الحاكمية وتكفير المجتمعات المعاصرة، ثم ظهر السروريون الثوريون وسلفيتهم المنتقاة بعناية من تراث السلف. وأخيراً ظهرت (داعش) و (جبهة النصرة)، وهاتان الحركتان التكفيريتان الدمويتان، تتفقان في المنهج، وتختلفان فقط في مرجعية القيادة الحركية العليا؛ فالنصرة تقر بقيادة أيمن الظواهري زعيم القاعدة، وتخضع لتوجيهاته، في حين أن داعش تقول إن إعلان (الخلافة الإسلامية) وبيعة البغدادي كخليفة في الموصل، الذي هو المطلب الأخير لجميع الحركات الإسلامية، يُحتم على المسلمين جميعاً، وأولهم الظواهري، الخضوع لهذا الخليفة الأممي، وكل من تمرد عليه فهو باغ يجب إخضاعه بالقوة، وإن أصر على التمرد فقتله وجز راسه؛ وهذا بالطبع يشمل (السروريين) الذين هم من حيث المنهج الفقهي حركة داعشية بامتياز، يتفقون معهم في كل ممارساتهم، إلا أنهم فقط ضد البيعة لإبي بكر البغدادي. وهذا واضح من موقف أغلب مشايخ الصحوة السعوديين؛ فقد كانوا مع داعش، ويُطبلون لجهادها أو (إرهابها)، وعندما تمردت على الظواهري، قلبوا لها ظهر المجن. كل ما أريد أن أقوله في هذا المقال: إن دول العالم وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، إذا لم تحاصر جماعة الأخوان وثقافتها ونشاطاتها والحركات المتفرعة عنها،فلن تفلح في محاصرة الإرهاب. والأيام بيننا. إلى اللقاء