أمام نظام الحكم في بداية سيادته.. وأمام نظام الحكم في توالي تطوّره وتوالي جزالة الأمن التي لم تصلها أساليب هدم توقف تطور النظام أو تحصد بعض مساحاته.. أمامهما.. نقف كي نتأمل بوضوح الامتيازات التي انفرد بها النظام السعودي بشكل بعيد عن أي شك، وبشكل مصداقية ما حدث من توالي سنين الحكم.. ثم نريد أن نتوقف عند حقيقة مهمة.. بل نادرة.. هذه الحقيقة نعرف منها تعرّض أغلبية نظام الحكم العربي - وبالذات ما عرف بالثورية - لكثير من الصراعات والمشاكل، ثم بعد ذلك.. أتت الانهيارات.. ما أكتبه.. موجود تاريخياً.. ومدوّن بشكل واضح.. عندما نقارن ما كنا فيه من بساطة.. ليس عند مرحلة التبسيط، بل مروراً حتى تجاوز أكثر من منتصف تاريخ التأسيس.. نقارن مع ما كان فيه العالم العربي من تقدم أتى قبل العصور الثورية - قبل خمسين عاماً تقريباً - ثم إلى مرحلة الانهيار فيما هم أمامه من عجز وضعف.. الأمر الذي اضطر دولاً عظمى للتدخل عسكرياً ضد وجود التخلّف العسكري.. عند البداية.. نقف مع الملك عبدالعزيز.. فالرجل لم يأتِ ليعلن قيادة حكم، ولكنه أتى وسط متاهات ضعف عام في القدرات من ناحية، وفي توفّر العيش من ناحية أخرى.. بالتأكيد نعرف أن كثيرين وقفوا بجانب الملك عبدالعزيز حيث يحلمون بحضور دولة لا حضور سيادات خاصة.. وإن كانت السيادات الخاصة آنذاك ذات جبروت مغرٍ ومثير في آن واحد.. لك أن تتصور كيف كانت تتم الاتصالات والانتقالات بين مناطق قريبة ومتباعدة كي يتم التفاهم على وحدة سلطة بدأت بإعجاز مذهل حين بدأ الملك عبدالعزيز بالرياض كوسيلة انطلاق.. طبعاً لن أستمر في سرد طويل لإيراد مهمات صعبة.. توالت حتى أمكن إعلان الدولة.. وأصعب من ذلك كيف تم احتواء الاتفاق والتعاون بين فئات متباعدة جداً، وربما بين بعضها خصومات.. لكن بالتدرّج المنطقي.. نأتي إلى الدولة التي عاش عذابها بجزالة قدرات ووعي الملك فيصل، الرجل الذي عاصر أعنف خصومات عربية وأسوأ مبررات تلاقٍ بين متناقضات حضور ثوري.. لقد اُستهدف الملك فيصل من عدة أبعاد سواء تعلق الأمر بالعراق أو اليمن عبر قوة عسكرية أتت بادعاء مساندة النظام العسكري الجديد.. أيضاً إمارة خليجية بعيدة الآن عن الوجود حين كانت في الماضي تحلم بحضور حكم عنيف، أيضاً مصدر رابع في تحركات «الشام»، والمؤلم جداً أن الملك فيصل في دولته لم يكن يملك وجود اقتصاد كافٍ للمعيشة قبل وجود السلاح وأيضاً وجود جماعية التفاهم.. لم يحدث ذلك بل تمت محاولات هروب؛ لكن الملك فيصل الرجل الرائع في كل تاريخه حوّل نتيجة حرب عام 1367 مصدر انطلاق لتأكيد النزاهة السعودية، بل وإقناع من دخل مراحل عذاب بأن الملك فيصل هو الأصدق فيما يقول وما يتعامل به.. طبعاً لن أستعرض أنظمة الحكم في بلادنا، حيث لا يتحمل مقال يومي مهمة ذلك، لكن يجب الإشارة إلى ما يكمل حقيقة البداية في عصر المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز، ورجل المواجهة الأخلاقي الذي عفا ولم يعذّب أعني الملك فيصل.. ما يكمل ذلك جزالة.. بل تعدد جزالات ما قدّمه الملك عبدالله الرجل التاريخي المجدد للتاريخ السعودي فيما يخص امتيازه بالتأسيس لقدرات العلوم وتعدد مصادرها ودفع مئات الآلاف نحو التخصصات ونحو موقع التأهيل الخاص.. الملك عبدالله افتتح منطلقات تأسيس جديد لدولة حداثة لا يتوفر ما لها من جديد تطوير وعلوم في أي دولة عربية أخرى..