قبل أيام دشنت هيئة البحرين للثقافة والآثار كتاب «أعمدة الثقافة» التي كشفت من خلاله عن إستراتيجيتها المستقبلية لاستمرار النهوض بالثقافة في البحرين، باعتبارها من القطاعات الحيوية التي تعتمد عليها المملكة التي تملك إرثا إنسانيا وحضاريا عريقا يميزها عن بقية دول المنطقة، ويؤهلها لاستقطاب سياحة ثقافية نوعية من المهتمين بالثقافة والآثار من مختلف بقاع العالم. وتسعى هيئة الثقافة والآثار برئاسة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، من خلال الإستراتيجية المستقبلية إلى وضع الثقافة على خريطة أولويات المملكة، كونها من العناصر المهمة في تحقيق التنمية المستدامة، طبقا لما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» التي أكدت أن التطور لا يترادف مع النمو الاقتصادي وحده، بل هو وسيلة لصنع حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالا، ولا يمكن بالتالي فصل التنمية عن الثقافة، وأشارت اليونسكو أن التحدي الأكبر يكمن في إقناع صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين المحليين والدوليين بدمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات والآليات والممارسات العامة، لاسيما عبر الشراكات العامة والخاصة. ومن هذا المنطلق فإن هيئة البحرين للثقافة والآثار لها تجربة رائدة حظيت بتقدير خليجي وعربي وعالمي واسع، وهي تجربة الاستثمار في الثقافة، التي ابتكرتها الشيخة مي آل خليفة رئيسة الهيئة للتغلب على ضعف الموارد التي تواجه قطاعات الثقافة ليس في البحرين فحسب ولكن في مختلف الدول العربية، وقد أثمرت هذه التجربة حزمة من المشاريع الثقافية المهمة التي أسست البنية التحتية الثقافية للمملكة، والتي وصلت قيمتها حتى ديسمبر 2016 إلى أكثر من 41 مليون دينار، وذلك بحسب ما ورد في كتاب «أعمدة الثقافة». وتصدر مسرح البحرين الوطني المشاريع المقامة في إطار مبادرة الاستثمار في الثقافة، حيث أقيم بدعم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ثم يأتي مركز زوار مسجد الخميس الذي من المنتظر أن يفتتح خلال الأيام القادمة، والذي أقيم بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى مشروعات مثل متحف موقع قلعة البحرين، ومركز معلومات قلعة بوماهر، وتطوير باب البحرين، ودار المحرق للفنون الشعبية، ونقل وإعادة تركيب جناح البحرين الحائز على الجائزة الفضية في اكسبو ميلانو 2015 والذي سيعاد تركيبه في المحرق، إضاءة قلعة البحرين، إضاءة قلعة الرفاع، إضاءة قلعة عراد، وإضاءة متحف البحرين الوطني. وفي قراءة متأنية للإستراتيجية المستقبلية لهيئة البحرين للثقافة والآثار، التي حملت عنوان «7-7-7-7» نجد أنها إستراتيجية طموحة تعتمد على إضافة بنية تحتية ثقافية إضافية للمملكة خلال السنوات القادمة، وستسهم «سباعيات» الثقافة هذه في تحقيق نقلة نوعية في هذا القطاع، وتضع البحرين في مكانة عالمية تليق بها بين الدول التي تمتلك حضارات إنسانية قديمة يحرص العالم على اكتشاف أسرارها إلى اليوم. وتتضمن هذه الإستراتيجية 7 متاحف هي متحف «الفن الحديث» ذلك المشروع الذي يحمل بصمات المهندسة العالمية الراحلة زهاء حديد التي وضعت التصميمات الأولية للمتحف، حيث يبرز المبنى من أرض ضيقة على ساحل مدينة المحرق، وينحني بلطف فوق الماء نحو المنامة، وينفتح التصميم الجذاب لصالات العروض الفنية تدريجيا نحو المدخل الرئيسي ليشكل ساحة عامة مفتوحة ومظللة على أرضية منحدرة وتظهر تفاصيل الوحدات الداخلية للمبنى في طيات ونتوءات الغلاف الخارجي المتموج. كذلك تضم متحف مستوطنة سار والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وتأتي أهمية مستوطنة سار التاريخية لوجود مدافن متشابكة ومعبد بالإضافة إلى مستوطنة سكنية، وإنشاء المتحف يأتي كترويج للموقع وتقديم المعلومات والخدمات الأساسية للزوار بالإضافة إلى مركز الأبحاث المختص بالبحوث الأثرية والتنقيبية والذي سوف يستقطب الباحثين المحليين والعالميين، وسوف يكون هذا المتحف الذي صممه المهندس الياباني العالمي تادو أندو أيضا مقرا للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي لما لهذا الموقع من أهمية تاريخية كونه في قائمة الترشيح لأن يكون موقعَ تراث عالمي. إلى جانب متحف للفنان عبدالله المحرقي، تكريما لهذا الفنان الذي يعد من رواد الفن التشكيلي وتقديرا لمسيرته الطويلة في عالم الكاريكاتير والتي سجل من خلالها أبرز المحطات في الشأنين العربي والمحلي، لذا فإنه من المأمول تأسيس المتحف في مبنى البنك البريطاني. ولم تنس هيئة الثقافة الطفل، لذا فإنها وضعت في إستراتيجيتها إنشاء متحف للطفل والذي يعنى بثقافة الطفل وتعليمه في أجواء ثقافية وتعليمية وترفيهية مصممة خصيصا للأطفال من مختلف الأعمار، وهو من تصميم المهندسين الأردنيين فارس وفارس. وهناك فكرة لتحويل مبنى الإذاعة القديم في منطقة العدلية الذي يعود بناؤه الحديث إلى السبعينيات من القرن الماضي، إلى متحف «الصوت» الذي يحتضن التاريخ الإذاعي في البحرين كونها السباقة في العمل الإذاعي على مستوى دول الخليج العربي، ويضم حديقة محمية في وسط العمران تكون متنفسا للزوار ومحيطا يحمي المبنى وسط الازدحام العمراني. ومن المشروعات المستقبلية أيضا متحف تلال عالي الذي يصممه المهندس آني هولتروب الذي يقع في بداية سلسلة من التلال الأثرية تعد الأكبر والأقدم في المنطقة، وهو موقع في القائمة القصيرة في الترشيح بأن يكون موقعا للتراث العالمي، وسيشمل المتحف عددا من العروض المتحفية عن جميع المدافن التاريخية المنتشرة بأرجاء المملكة التي يعود تاريخها إلى 2000 سنة قبل الميلاد، وسيتم تطوير موقع صناعة الفخار التي ارتبطت بمنطقة عالي وبالمدافن الأثرية. وتختتم سلسلة المتاحف بمتحف موقع معابد باربار الذي يعتبر أحد الشواهد التاريخية لحضارة دلمون ويعود بناؤه إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ويستوحي تصميم المتحف من عناصر النقوش الدلمونية وتصميم المعبد. وتنتقل إستراتيجية الثقافة المستقبلية إلى سباعية جديدة خاصة بالمعالم والهوية، والتي ضمت بحيرة المنامة هذا المشروع الذي طرح في مسابقة عالمية لإعادة تصميم المنطقة الواقعة بين باب البحرين ومرفأ البحرين المالي، بين البوابتين القديمة والحديثة للبلاد، وقام التصميم الفائز باقتراح تحويل المنطقة إلى مسطح مائي مستوحى من البحر الذي كان مكانها، بالإضافة إلى شط العرب 4*4 بحيث يحتضن حيا مصغرا للوطن العربي يكون هذا الحي امتدادا للحي الثقافي الذي يحتضن متحف البحرين الوطني ومسرح البحرين الوطني ويمتد عبر القوارب ليرتبط بقلعة بوماهر وطريق اللؤلؤ، وهذا الحي مقسم إلى أربعة أقاليم هي الخليج العربي، بلاد الشام، المغرب العربي، مصر والسودان، ويكون لكل إقليم عروض متحفية لتاريخه وحضارته وتراثه ومقرا لحرفييه وما أنتج فنانوه ومطعم يقدم أطباقا من تراثه، وهذا الحي سيكون متنفسا ثقافيا ومقرا للحوارات بين الحضارات. كما تضم سباعية المعالم والهوية مبنى دار الحكومة المعروف بمبنى السكرتارية، حيث تسعى الهيئة إلى ترميم المبنى للحفاظ على تصميمه الأساسي ليكون مبنى للأرشيف الوطني تعرض فيه حكاية الدولة الحديثة، إلى جانب مبنى بلدية المنامة الذي افتتح عام 1962 وعقد فيه المجلس الوطني الأول، حيث كانت البحرين الدولة الرائدة في المنطقة في العمل البلدي، ومن المأمول ترميم المبنى وإعادته إلى تصميمه الأساسي وتخصيص جزء منه ليكون متحفا للمجلس الوطني وتاريخ البلديات. فيما تطرح الثقافة رؤيتها لتطوير جزر حوار التي تقوم على أربعة محاور أساسية هي تطوير السياحة البيئية وتشجيع البحث العلمي وحماية البيئة والاستدامة، وتهدف هذه المحاور إلى تطوير المرافق السياحية في شمال الجزيرة من مرافق فندقية إلى بيوت للعطلات، وتشييد مركز لمعلومات الزوار يكون نفسه مركزا للبحوث العلمية في مجالات البيئة والآثار، والبنية التحتية اللازمة لتحقيق ذلك، وقد قامت شركة للاستشارات الهندسية بإعداد الدراسات والرسومات لتحقيق ذلك. وتقدم هيئة الثقافة رؤية لتجميل الطرق من مطار البحرين الدولي إلى المرفأ المالي لأن الزوار يحكمون على الدول من واجهاتها، لذا فإن هناك شركة قامت بطرح مقترح لا يقتصر على تشجير وإضاءة هذا الطريق فحسب بل يتعداه ليشمل تصميم ساحات عامة وممشى بصورة جمالية تربط المدينة الحديثة بالمدينة القديمة، وتربط موقع المطار بموقع المدينة. ويطرح المهندس الفرنسي آلان مواتيه تصميما فريدا لمشروع إنشاء المقر الرئيسي للثقافة على الواجهة البحرية المحاذية لمتحف البحرين الوطني، وهذا التصميم مستوحى من فكرة الخيام وكيف أنها تظلل من تحتها كما الثقافة، وهذا المبنى من المؤمل أن يقع بالقرب من معالم الثقافة الرئيسية متحف البحرين الوطني ومسرح البحرين الوطني ليكون إضافة جمالية للركن الثقافي من البحرين. وتقدم هيئة البحرين للثقافة والآثار 7 مشاريع ثقافية على رأسها فرقة البحرين للفنون الشعبية اقتداء بالتجربة الأيرلندية في إنشاء فرقة للرقص والفنون الشعبية الفولكورية، تطمح الهيئة لإنشاء هذه الفرقة لتنافس نظيراتها في العالم، ويتعرف عناصرها على أساسيات الحركة الاستعراضية ومقومات الفرق العالمية الناجحة بالإضافة إلى مختلف الفنون البحرينية التي آن الأوان الحفاظ عليها في قالب عصري يمكن له أن يمثل المملكة عالميا. بالإضافة إلى مشروع الأتوبيس الثقافي الذي يسهم في الترويج للسياحة الثقافية والتعريف بالمواقع الأثرية والتراثية والثقافية بالمملكة، ولا يستهدف تسهيل التنقل بين المواقع فحسب بل ليكون مزودا بالمعلومات الصوتية والمطبوعة عن هذه المواقع، مما يتيح للزائر والمتلقي تجربة سياحية شاملة، إلى جانب محطة تلفزيون للترويج للسياحة الثقافية والتي تقوم بعرض مستجدات الثقافية في البحرين كما تعرض مواد وثائقية على ما شهدته البلاد من حراك ثقافي بالإضافة إلى المهرجانات الثقافية والحفلات التي يستضيفها مسرح البحرين الوطني. وكذلك إحياء وتطوير فندق البحرين وهو أول فندق في البحرين لصاحبه عبدالنور البستكي واستقبل شخصيات كبيرة من زوار البحرين، واستكملت وزارة الثقافة آنذاك هذا المبنى باعتباره معلما تراثيا مهما من معالم مدينة المنامة، حيث تتطلع الهيئة إلى تشغيله كفندق من طراز البوتيك، بالإضافة إلى إنشاء فندق المحرق في قلب المحرق مقابلا لموقع بيت الشيخ عيسى بن علي ليخدم احتياجات طريق اللؤلؤ ويراعي التصميم الخارجي الذي يعكس العمارة البحرينية، وقد عمل على تصميم هذا الفندق المهندس المعماري العالمي جان ميشيل فلموت. بالإضافة إلى إنشاء فندق موقع قلعة البحرين بالقرب من موقع قلعة البحرين كأول موقع تراث عالمي في البحرين وقرب متحفها وسيضم متجرا تعرض فيه منتجات القرى المجاورة للقلعة وهي خطوة تدفع أصحاب هذه الحرف والصناعات التقليدية إلى مواصلة الإنتاج والحفاظ على الإرث الشعبي. وكذلك تمتلك الهيئة مقترحا لتصميم وإنشاء مصنعا للنسيج في قلب قرية بني جمرة وبين مزارعها ويتخذ من أشكال «البريستي» ثيمة له، ويضم وحدات لصنع النسيج وتعليم هذه الحرفة، وسيزود بمرافق سياحية كمقهى ومتجر، وما يميزه أن القائمين عليه هم أهل القرية وأصحاب الحرفة أنفسهم. ولأن المحرق هي عاصمة الثقافة الإسلامية في 2018 فإن هيئة البحرين للثقافة والآثار أولت اهتماما كبيرا بهذه المناسبة وتقترح 7 مشاريع مهمة أولها مرفأ قلعة عراد، على غرار مرفأ قلعة بوماهر والذي مكن السائحين والمهتمين والزائرين بالتعرف على تاريخ القلعة وموقع طريق اللؤلؤ، يأتي مشروع مرفأ قلعة عراد ليمكن للزوار التنقل البحري بين المواقع الثقافية والتراثية والأثرية. وهناك مشروع لإقامة خيمة دائمة للاحتفالات في قلعة عراد، حيث تبدأ احتفالية «المحرق عاصمة الثقافة الإسلامية 2018» من موقع قلعة عراد، لذا فإن هذه الخيمة الدائمة المتعددة الاستخدامات سوف تستضيف الفعاليات الثقافية والحفلات والمهرجانات وتضفي قيمة مضافة للموقع. ولأن بناء نادي البحرين الرياضي يعود إلى الستينيات من القرن الماضي ويتميز بملامح معمارية خاصة بتلك الحقبة الزمنية فإن الهيئة تأمل إلى ترميم واجهة هذا النادي وإضافة معلم على الطريق الممتد من المطار إلى جسر الشيخ عيسى بن سلمان، بالإضافة إلى مشروع إضاءة جسر الشيخ عيسى وفق دراسة تحاكي التصميم الهندسي للجسر ليكون أيقونة ومثالا يمكن تطبيقه على الجسور الأخرى. إلى جانب مشروع الصوت والضوء بقلعة بوماهر بحيث يتسنى للزائر التعرف على ملامح المعلم المعمارية والاستماع للمادة العلمية المصاحبة، ويأخذنا العرض في مسيرة من البحر للقلعة وصولا إلى منطقة عرض صغيرة تحكي حكاية طريق اللؤلؤ.ومن الأفكار التي تتطلع إليها هيئة البحرين للثقافة والآثار إنشاء المسرح العائم كون قابليته للحركة والتنقل بين المواقع المختلفة يصممه مجموعة من الطلبة والحرفيين عبر مسابقة يشرف عليها المهندسون القائمون على البناء، وتقام أولى حفلات المسرح ضمن احتفالية المحرق عاصمة الثقافة الإسلامية 2018. وعلمت «أخبار الخليج» من مصادر خاصة أن هيئة البحرين للثقافة والآثار سوف تقدم كتاب «أعمدة الثقافة» الذي يحمل هذه الإستراتيجية المستقبلية إلى صناع القرار في المملكة ومختلف الجهات الحكومية والمهتمين بالثقافة في القطاع الخاص.