أكثر ذريعة يستخدمها التربويون في حال فشلهم في إيصال المعلومات إلى عقول تلاميذهم، هي زج الاتهام باتجاه عدم تعاون المنزل معهم. وهي تهمة بليدة وهروبية في تقديري لأنها تفترض في المنزل دائما أن يكون على نفس الخط مع المدرسة، رغم أن ما يتلقاه المنزل في سياق عملية التواصل لا يتعدى أحد أمرين: إما تقرير بالدرجات آخر الشهر، أو دعوة لحضور حفل باهت للآباء أو الأمهات، ليشاهدوا براعة أبنائهم أو بناتهم وهم يقرأون فقرة (هل تعلم)، هذا مع استبعاد العنصر الأهمّ وهو أنه ليس بالضرورة أن يكون في كل منزل خبير تربية وتعليم يعرف كيف يتعامل مع مناهج التعليم، ويستطيع بالتالي أن يُتمّ ما نقص من المدرسة. هذا في السياق العام، أما اليوم وفي ظل وجود ما يُسمى بالمناهج المطورة، فإن القضية تصبح أكثر تعقيدا، ويصبح اللجوء للدروس الخصوصية التي تحاربها وزارة التربية أمرا لا مفر منه، فعندما يلجأ إليك طفلك لمساعدته في إنجاز بعض واجباته المدرسية، وتفتح المنهج فستجد أمامك مجموعة من المربعات والمستطيلات والدوائر، التي لا تستطيع أن تستوعب طريقة التعامل معها، وما إذا كانت تحتوي أسئلة ضمنية، أم أنها أوعية للاستنتاج.. حتى على مستوى علوم العربية والمواد النظرية، فإنك في هذه الحالة إما أن تزيد من حيرة ابنك، أو تنساق وراء التخمين، لعدم وجود دليل يرشد ولي الأمر، ويسهل عليه متابعة مذاكرة أبنائه، ليقوم بدوره كما يطلب التربويون. جهلي الشخصي بآليات التطوير وصيغها وأساليبها، لا يبرر، ولا يعطيني الحق في انتقادها، أو المجازفة بالقول انها فوق مستوى قدرة التلميذ على الاستيعاب، لكن بنفس الوقت لا يمنعني من مطالبة وزارة التربية والتعليم بإقامة دورات قصيرة مطلع كل عام دراسي لأولياء الأمور رجالا ونساء لشرح طرق التعامل مع المناهج الحديثة، وإن كنتُ أثق أن بعض معلميهم ومعلماتهم أحوج منا كأولياء أمور لمثل هذه الدورات، خاصة وأنني سبق وأن استعنتُ بمعلم لفك ألغاز بعض الأسئلة في المنهج وإن كان ليس في مادة تخصصه إلا أنه فغر فاه عاجزا إلا عن التمتمة بإجابة أنا على يقين أنه هو لم يفهمها قبلي، ما دفعني لفك حرجه بادعاء الفهم. وإذا كانت الوزارة تستثقل مثل هذا الاقتراح، فليس أقل من توزيع سيديهات على أولياء الأمور تشرح طريقة التعامل مع كل منهج على حدة، هذا إن كانت جادة في طلب تعاون المنزل الذي هو الأسرة بمعنى أدق، وذلك لإتمام تلك الحلقة الناقصة في العلاقة بين الطرفين، والتي غالبا ما يتم التسلل عبرها للتملص من مسؤولية فشل المدرسة في إيصال المعلومة، وإلصاقها بالمنزل، كما لو أنه كان شريكا فعليا في عملية تطوير المنهج، وتقنياته الجديدة، أو كأنه لا يوجد هنالك أولياء أمور أميون، أو لا صلة لهم على الاطلاق بالتعليم وأدواته. ملاحظة أخرى استوقفتني في أحد مناهج اللغة العربية، والتي ما عدنا نعرف هل هي منهج قواعد لغة أم هي مادة نصوص، أم إملاء وتعبير، أم ماذا؟ وهي تغييب القاعدة، والتي تسهّل على ولي الأمر الذي ليس بالضرورة أن يكون معلم لغة عربية للعودة إليها لاستحضار ما نسيه، ومن ثم البناء عليها في شرح الدرس مجددا لابنه أو ابنته، وربما يكون هذا موجودا في كتاب المعلم.. لا أدري، ولكن لماذا تبخل علينا جهات التعليم ولو بنسخة من كتاب المعلم تخصص لصالح ولي الأمر الذي يريد أن يتابع مذاكرة أبنائه؟ أو تطبع دليلا خاصا بتلك المناهج المطورة. وإلى أن نحظى بإجابة شافية من الوزارة، سنظل كأولياء أمور نرفض تهمة عدم تعاون المنزل، إلى أن تُقدم لنا ما يثبت العكس.