قبل فترة نشرت أخبار حول وجود وظيفة (شاعر) ضمن الخيارات المتاحة للاستقدام على موقع وزارة العمل وقد أثارت هذه الأخبار ردود فعل الكثيرين كون الوزارة ترفض الاستقدام في كثير من الوظائف التي يندر أن يتقدم إليها السعوديون وتطرح مثل هذه الوظيفة لغير السعوديين، ولم يكن رد الوزارة على هذه الأخبار مقنعا حين أكدت أن هذه الوظيفة تخص بعض شركات الإنتاج الفني، حيث لا يمكن تبرير تحولنا من بلد يصدر الشعراء إلى بلد مستورد للشعراء: فما الذي يمكن أن يقدمه شاعر وافد في بلد يعاني من الفائض الشعري سوى كتابة قصائد حلمنتيشية على غرار قصائد الفنان ناصر القصبي حين يتقمص شخصية (عدنان) في مسلسل طاش؟!. على أية حال كنت أعتقد أن أكثر (مهنة) يمكن أن يجيدها السعوديون هي كتابة الشعر إذا توافقنا على أن الشعر يمكن أن يكون مهنة، فهذه الأرض هي منبع الشعر منذ قديم الزمان، كما أغلب المواطنين في زماننا هذا إما كتبوا الشعر أو حاولوا كتابته أو اشتروه جاهزا ووضعوه بأسمائهم، لذلك تجد حصة الشعراء السعوديين هي الأعلى في كافة البرامج الفضائية التي تهتم بالشعر وهم الأكثر حضورا في الأمسيات الشعرية التي تقام في الدول المجاورة وقد امتدت عطاءاتهم الشعرية ليكتبوا كلمات أغاني المطربين والمطربات في لبنان والمغرب العربي!. ولكن يبدو أن الرياح بدأت تسير في اتجاه آخر حيث لم يعد فائض الشعراء كافيا لاعتبارهم الفئة الأولى على قائمة المهن الصالحة للتصدير بعد أن تصدر القائمة الانتحاريون الذين تحولوا إلى وقود للعديد من المشاريع الإرهابية في الدول العربية التي تعاني من الاضطرابات. فبعض الإحصاءات والتقارير التي تصدر عن بعض المؤسسات الإعلامية الأجنبية أو تلك التي تنشرها المنظمات الإرهابية عبر المواقع الإلكترونية التابعة لها، تكاد تتفق أن السعوديين يشكلون نسبة تفوق 65 بالمائة من منفذي العمليات الانتحارية في العراق وسوريا، صحيح أنه لا يمكن الجزم بدقة هكذا إحصائيات ولكن نشرات الأخبار تحمل لنا بين يوم وآخر أنباء مقتل شباب سعوديين كان يمكن أن يكونوا سندا لأسرهم ووطنهم ولكنهم قرروا في لحظة جنون إنهاء حياتهم وحياة غيرهم من الأبرياء في حروب عبثية لا يعلمون أصلا لماذا أقحموا أنفسهم فيها. المضحك المبكي أن الانتحاريين السعوديين لم يتخلوا عن الشعر حتى وهم يرتدون الأحزمة الناسفة ويمتطون السيارات المفخخة، حيث شاهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي قصائد وأناشيد من نوع (يا عاصب الراس وينك) تكشف عن حجم المأساة حين يحتفي إنسان ما بضياعه ويتغنى بغرقه في بحور الظلام محاولا أن يضفي بعدا رومانسيا مطرزا بالأمجاد الوهمية على عمليات قتل الأبرياء بكل همجية!. ليس للموت قافية فهو ينسف بيت القصيد قبل أن تكتمل مفرداته، والمسافة بين تصدير الشعراء وتصدير الانتحاريين مخيفة ومرعبة، وهؤلاء الذين يبحثون عن عذوبة الانتحار وشاعرية القنبلة لا يمكن صدهم بقصيدة مضادة أو إنقاذهم من شرور أنفسهم بإدانة عابرة بل بإحداث تغيير جوهري في البيئة التي قادت إلى هذه النتيجة المؤلمة!. نقلا عن عكاظ