قبل عام، وتحديدا في مثل تاريخ أمس: الأول من شهر ربيع الآخر اجتمعت هيئة كبار العلماء بمصر ـ الشقيقة والعزيزة ـ وفي ضوء فحص ودراسة دقيقة للمرشحين لشغل منصب المفتي، انتهت الهيئة إلى ترشيح ثلاثة من أصحاب الفضيلة الذين تمت تصفيتهم من بين تسعة، تمت تصفيتهم من ستة وعشرين مرشحا. حصل أول الثلاثة في الترتيب الهجائي الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم عبدالكريم علام، أستاذ ورئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بطنطا على أعلى الأصوات، وتم الرفع باسمه للاعتماد. معايير انتخاب مفتي مصر تستند إلى الكفاءة العلمية الشرعية، والانتماء إلى المنهج الأزهري الوسطي، والاستقامة النفسية والخلقية، ومن بين شروط اختياره أن يتقن لغة أجنبية ثانية، وأن يكون أزهريا منذ بداية دراسته، وحاصلا على شهادة الدكتوراه، ويتمتع بدرجة "الأستاذية" في العلوم الشرعية واللغوية، وعالمًا بكل قواعد اللغة العربية. الجميل والجدير بالتنويه أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وهو رئيس الهيئة اعتذر عن ترشيح اسم للانتخابات؛ لعدم التأثير على الهيئة، بل رفض الاطلاع على أعمال اللجنة المشكلة لبحث الترشيحات، مفضلا أن يطلع على الأسماء مثله مثل باقي أعضاء الهيئة. المفتي الشيخ شوقي يمثل المفتي الأول بالانتخاب، والعشرين بالتسلسل في تاريخ دار الإفتاء المصرية، والتي تم إنشاؤها قبل أكثر من قرن من الزمن، وجاء بعد سلسلة كريمة من المفتين العظام، أولهم الشيخ حسونة النواوي، ثم الشيخ محمد عبده، ثم الشيخ عبدالقادر الرافعي، ثم الشيخ بكري الصدفي، ثم الشيخ محمد بخيت المطيعي، ثم الشيخ محمد إسماعيل البرديسي، ثم الشيخ عبدالرحمن قراعة، ثم الشيخ عبدالمجيد سليم، ثم الشيخ حسنين محمد مخلوف ـ الذي عرفته في مجلس جدي إمام الشافعية بمكة ـ ، ثم الشيخ علام نصار، ثم الشيخ حسن مأمون، ثم الشيخ أحمد محمد عبدالعال هريدي، ثم الشيخ محمد خاطر محمد الشيخ، ثم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، ثم الشيخ عبداللطيف عبدالغني حمزة، ثم الشيخ محمد سيد طنطاوي، ثم الشيخ نصر فريد واصل، ثم الشيخ أحمد الطيب، ثم الشيخ علي جمعة ـ رحم الله من رحل، وحفظ من بقي ـ وقد أهلته سيرته ومسيرته للحصول على أكثر أصوات هيئة كبار العلماء للترشيح لمنصب مفتي الديار المصرية، والذي يعد انتخابه من قبل هيئة كبار علماء الأزهر (درسًا) للنأي بمنصب الإفتاء عن التوظيف السياسي، وسيطرة السلطة التنفيذية، و(رسالة) تؤكد أن الأزهر كان وسيظل أصيلا، وأن اختيار المفتي من اختصاص شيوخه. الناس في مصر وخارجها استقبلوا اختيار الشيخ شوقي مفتيًا للبلاد بالرضا والاستحسان وعدم المعارضة، لكونه عالمًا متخصصًا، وليس له انتماء لأية جماعة دينية، أو سياسية.. عين العامة لا تخطئ زهد الشيخ العلام في عالم الإعلام، إلا أن المتابعين يعتبرونه انتصارًا لمدرسة الاعتدال والانفتاح، وعاملا مهما من عوامل التوازن، وإضافة عظيمة، ونقطة مضيئة، ولبنة رافعة لبنيان مصر، فهو ـ وبدون جدال ـ من الشخصيات الفاضلة العالمة، وجدير بهذه المهمة التي يضطلع بها مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، ورجالات الأزهر، ومختلف النخب المصرية في كل المجالات.. الشيخ الجليل وصحبه الكرام زاروا الحرمين الشريفين قبل أيام، ومن تشرف بلقائه من طلاب العلم عرف واطمأن إلى أمور كثيرة: أهمها أن المذاهب والتمذهب من آثار رحمة الله بعباده.