في عالم كل شيء يتغير ويتبدل في كل دقيقة وفي كل لحظة نحن أمام تحولات ضخمة وكبيرة لا بد من الوعي والاهتمام بها وبمكوناتها الحضارية وجعلها تمثل الهم الأول بحيث لا يمكن أن تكون خارج اهتماماتنا وعزلها عن الواقع الاجتماعي الذي ننتمي إليه جميعا. ومن هنا فإن المطلوب في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ المجتمع السعودي الوعي بهذه اللحظة خاصة في ظل تحديات كبيرة في الداخل السعودي وفي وجود إرادة قوية تتمثل في هذه القفزات التنموية عبر إنشاء الجامعات الجديدة ومشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي وجامعة الأميرة نورة ثم جامعة الملك عبدالله وللعلوم والتقنية.. وغيرها من المشاريع والمبادرات.. إننا اليوم أمام مبادرات كبيرة وأمام مشروع تعليمي وتربوي كبير.. لكن بالمقابل نحن أمام من يحاول عرقلة كل المشاريع الحضارية والتنموية والفكرية ومحاولة تعطيل كل ما من شأنه إحداث قفزة في المستقبل من أجل جعل المجتمع في مرحلة متقدمة وفي الواجهات الأمامية من بين الدول والمجتمعات والشعوب خروجا من الدوائر الضيقة التي تصور المجتمع السعودي وكأنه مجتمع يقف ضد كل مفردات التطور والتحديث. والحق أن الذين يقفون ضد كل مشاريع التحديث هم أناس خارج العصر وليس همهم سوى جر البلد إلى اتجاهات لا تصب في صالح المجتمع وتعزيز الوحدة الوطنية خاصة في ظل الأحداث العاصفة التي تمر بها المنطقة العربية ذلك أننا محاطون اليوم بدوائر الخطر من كل جانب وألسنة النار التي نراها مرتفعة على حدودنا من اليمن إلى العراق وهذا ما يقتضي الوعي ناحية ما يدور وما يحدث. إن كل الأصوات التي تدعو إلى أفكار ورؤى تقليدية وتكريس الخطاب التكفيري لا تخدم الوطن بقدر ما تخدم أطرافا يهمها أن يدخل هذا البلد في نزاعات وصراعات. من هنا لا بد من إعادة النظر في قضايا ومفاهيم كثيرة تتعلق بقراءتنا للأحداث الراهنة وهذا لن يتأتى إلا بتجديد خطابنا العام من الخطاب الثقافي والإعلامي والديني وتقديرنا وقراءتنا للحظة التاريخية التي نعيشها على ضوء ما يحدث في العالم العربي.. إن أهم مرتكزات الخطاب العام هو تجديد الخطاب الفكري للخروج من الخطاب التقليدي السائد.. إن الصورة النمطية للخطاب الفكري في بلادنا خطاب تقليدي لا يتحرك إلا ضمن قضايا بعينها وأمور تظل محصورة في المسائل والقضايا الصغيرة وإنه خطاب لا تحركه الأسئلة الكبرى ويستغل على ما هو عميق في الفكر وهو ما يعني أن في بلادنا ليس هناك من هو قادر على إحداث نقلة في هذا الخطاب في حين أن هناك عقولا سعودية تملك القدرة على طرح الأسئلة المحورية والكبرى في الفكر سواء من علماء كبار في بلادنا أو من العقول المتخصصة في العلوم الحديثة المتصلة بما هو فكري وشرعي.. إذ لا يمكن عزل ما هو شرعي عن ما هو فكري ولا يمكن عزل ما هو سياسي عن ما هو فكري.. إن المملكة تحتل مكانة كبرى وتمثل مركزية سياسية وقوة اقتصادية وبترولية ولا بد أن تكون هناك أيضا قوة ثقافية وعلمية ومعرفية تتساوى وتتوازى مع كل هذه المفردات الحضارية وإبراز الخطاب الفكري ليتصدر قائمة التحديث للخروج من دائرة الفتوى التقليدية لصنع خطاب فكري عميق.. ذلك أن الانطباع في العالم العربي والإسلامي هو أن هذا الخطاب الديني في مجمله لا يرتفع إلى المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية التي تسعى المملكة إلى جعلها ركيزة وهوية لها في العالم. إن الخطاب والفكري والعلمي والمعرفي منظومة كاملة ولا بد أن تكون متجددة وأكثر حداثة وأكثر التصاقا والتحاما بالعصر الذي نعيشه واللحظة التي نحن بها سياسيا وثقافيا وعلميا.