يمقت كثير من طلابنا المدرسة، لأنها تمارس نحوهم علاقة عنصرية وعدائية مبكرة. تبدأ الخصومة منذ اللحظات الأولى، التي تطأ فيها الطالب قدماه في الفصل. إذا قدر الله وتعثر الطالب في مستهل مشواره ربما لاحقه هذا التعثر في مسيرته العلمية حتى يتخرج في الجامعة ــ إذا من الله عليه بالتخرج أصلا. فالطالب الذي يحصل على تقدير جيد سيظل جيدا لأعوام عديدة وسنوات مديدة، لن يتزحزح. وكذلك الحال بالنسبة للطالب الجيد جيدا. لا يوجد غفران أو تسامح مع أي كبوة أو عدم توفيق. الممتاز سيظل ممتازا والضعيف سيستمر ضعيفا. نحن كعرب لا نخجل من أن نقول ونطبق المثل القائل: "العود من أول ركزة". لا مجال لفرصة ثانية تمنحنا وغيرنا خيارا أفضل. فرغم أننا نهاجم كل من يصنف الآخرين، إلا أن أنظمتنا التعليمية تمارس هذا الدور بحرفية. تكرسه في كل أدبياتها ومناهجها وطرائقها. الدول الاسكندنافية مثلا تحارب هذا التصنيف تماما في أساليبها التربوية. فطلاب التعليم العام في فنلندا لا يحصلون على تقدير مع نهاية كل فصل دراسي، بل تقييم تفصيلي يشرح مواطن القوة والأخرى التي تحتاج إلى تطوير. فعندما تنتقل إلى مرحلة أخرى سيعلم معلمك أنك تحتاج إلى جهود مكثفة في النحو لتصبح كاتبا أفضل. أو يتطلب على معلمك أن يبذل جهدا أكبر في تطوير قدراتك في الكيمياء. لا توجد هناك منافسة على كأس أو لقب لتمنحك ممتازا وجارك مقبولا. هناك عمل مركز لتطويرك وتقويتك وإعدادك للمرحلة التالية. صار التقدير في كثير من المدارس شرقا وغربا سيفا مسلطا على أعناق الطلاب. فبات هو أسمى الغايات ومنتهاها؛ والنتيجة الكثير من الممتازين الذين يفتقرون إلى النضارة الإبداعية والبريق الابتكاري، الذي نحتاج إليه بشدة، ونترقبه بعطش. طالب الثانوية في فنلندا لا تختار له مدرسته فصله ومواده. هو من يختار ما يريد وقت ما يريد. هناك مواد إلزامية محدودة وعدد ساعات مطلوب في كل فصل على الطالب أن يلتزم بها. خلاف ذلك المدرسة مدرستك والمعلمون في خدمتك؛ لتصبح إنسانا أكثر فاعلية وإنتاجا وسعادة. إخواننا وأبناؤنا يستحقون أن نمنحهم مزيدا من الخيارات والنكهات حتى يحبوا الحياة أكثر، كي يبدعوا أكثر. المدرسة ليست وسيلة للحصول على شهادة. المدرسة هي مقبلات هذه الحياة، فإما أن تفتح شهيتك وإما تسد نفسك.